دمعة على التوحيد
الحمدلله والصلاه والسلام على رسول الله.
🕋 مظاهر القبورية في واقع المسلمين
حالٍ مؤلم للأمة، حين ضعف التوحيد في النفوس،
وغلبت العادات والطقوس على العقيدة الصافية.
تحوّلت مظاهر التوحيد الخالص إلى صور من التعظيم للأموات،
والاعتماد عليهم في جلب النفع ودفع الضر،
حتى صارت تلك الممارسات جزءًا من التدين الشعبي الذي يظنه الناس قربةً إلى الله،
وهو في حقيقته صرفٌ للعبادة لغيره.
---
أولًا: المظاهر الشكلية
1. بناء القباب والمشاهد
بدأ الانحراف بتعظيم قبور الصالحين وبنائها على هيئة المزارات والقباب المزخرفة،
تُعلَّق عليها الأستار وتُضاء بالمصابيح.
كان القبر في الإسلام بسيطًا، لا يُرفع إلا قليلًا عن الأرض،
لتذكير الناس بالموت، لكنّه اليوم صار يُشاد عليه البناء الفخم
وتُكتب عليه العبارات وتُقام حوله الزينات.
تحوّلت هذه القبور إلى أماكن يقصدها الناس كما يُقصد المسجد،
حتى فُتنوا بها وأضفوا عليها صفة القداسة.
2. تحويل القبور إلى مواسم واحتفالات
في كثير من البلدان أصبحت القبور تُزار في أيام محددة،
ويُقام عندها ما يُسمّى بالمولد أو الموسم، حيث يجتمع الناس للذكر والإنشاد والطعام.
تُتلى الأوراد، وتُوزّع الأطعمة، وتُقام الرقصات باسم الذكر،
ويُظن أن “الولي” يحضر المجلس أو يفرح بالزائرين.
تلك الاحتفالات حول القبور صارت شعائر قائمة بذاتها،
تُضاهي العبادات في المساجد،
حتى غلبت على الناس روح الطقوس لا روح العبادة.
---
ثانيًا: المظاهر العقدية
1. الدعاء والاستغاثة بالأولياء
أشد المظاهر خطرًا أن يُدعَى غير الله،
فيُطلب من الميت شفاء مريض أو تفريج كرب أو جلب رزق.
تُقال العبارات: “يا سيدي فلان اشفِ ولدي” أو “أغثنا يا مولانا”.
وهذا صرف للدعاء — وهو عبادة خالصة — لغير الله.
قال تعالى: «وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا».
الدعاء للأموات مشروع، أما الدعاء منهم فهو من الشرك.
2. التوسل بالذوات والقبور
يُكثر الناس من قول: “اللهم بجاه فلان” أو “بحق هذا الولي”،
ظانين أن ذلك يقربهم إلى الله.
لكن الوسيلة المشروعة هي العمل الصالح ودعاء الحي الصالح،
أما التوسل بالأموات فبدعة تُفضي إلى الغلو ثم إلى الشرك.
3. النذر والذبح عند القبور
تنتشر عادة النذر لصاحب القبر:
“إن شفى الله مريضي، نذرت ذبيحة عند ضريح الشيخ.”
ويُذبح قرب القبر تقرّبًا لصاحبه،
مع أن الذبح والنذر عبادتان لا تُصرفان إلا لله.
قال ﷺ: “لعن الله من ذبح لغير الله.”
4. الطواف والتقبيل
يطوف بعض الزائرين حول القبر كما يطوفون بالكعبة،
ويستلمون جدرانه أو يقبّلونه تبركًا.
والطواف عبادة مخصوصة ببيت الله،
ومن طاف بغيره فقد أحدث عبادة لم يأذن بها الله.
5. طلب البركة من التراب والأشياء
يأخذ الناس تراب القبر، أو يمسحون الجدران والستائر،
أو يحتفظون بشيء من ثياب الولي تبركًا.
البركة لا تُنال من الجمادات، بل من الطاعة والاتباع والقرآن،
كما قال تعالى: «وهذا كتاب أنزلناه مبارك».
ثالثًا: المظاهر النفسية والفكرية
1. الاعتقاد في الوسائط
كثيرون يظنون أن الأولياء وسائط بينهم وبين الله،
فلا تُقبل الدعوات إلا من خلالهم.
هذا التصور يُفسد جوهر التوحيد،
لأن الله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه،
لا يحتاج إلى شفيع ولا واسطة.
2. الخوف من الأولياء أكثر من الخوف من الله
ينشأ عند بعض الناس خوف من “غضب الولي” أو “انتقامه”،
فيسارعون لإرضائه بالزيارة والنذر.
وهذا الخوف عبادة لا تجوز إلا لله، لأن الضر والنفع بيده وحده.
3. تصديق الخرافات والكرامات المزعومة
تُروى قصص عن أنوار تخرج من القبر أو أصوات تُسمع منه أو أحلام تُرى في مدحه.
تلك الحكايات لا دليل عليها، بل تُروى لتثبيت الناس على هذه الممارسات.
الكرامة الحقيقية للصالحين هي في الثبات على الدين، لا في خرق القوانين الكونية.
رابعًا: نتائج هذه المظاهر
ضعف التعلق بالله، وانشغال الناس بالمخلوق عن الخالق.
تفشي الجهل والخرافة، وابتعاد الأمة عن التوحيد الصافي.
استبدال العبادة بالشعائر الشكلية، حتى صار الدين طقوسًا لا روحًا.
تعطيل الدعوة الحقيقية، لأن الناس ظنوا أن البركة تُنال بالزيارات لا بالعمل الصالح.
خامسًا: الفرق بين الزيارة الشرعية والبدعية
الزيارة الشرعية: أن يُزار القبر للعظة والدعاء للميت، كما قال ﷺ:
“زوروا القبور فإنها تذكّركم الآخرة.”
يُسلَّم على أهل القبور ويُدعى لهم بالرحمة، دون دعاءٍ لهم أو بهم.
الزيارة البدعية: أن تُقصد القبور لطلب المدد أو البركة أو قضاء الحاجة،
أو أن تُمارس عندها الطقوس الخاصة.
هذه الزيارة تُعد انحرافًا عن الهدي النبوي،
وهي التي فتحت باب الشرك الأكبر في الأمة.
نداءٍ مؤلم يدعو القلوب للبكاء على صفاء التوحيد الذي ضاع بين الناس.
ما أشد أن يُرى من يشهد أن لا إله إلا الله، ثم يمد يده إلى قبرٍ يستغيث به!
الطريق إلى تصحيح هذا الواقع يبدأ بالعلم، والتعليم،
والعودة إلى منهج الأنبياء في دعوة الناس إلى عبادة الله وحده.
فالخلاص لا يكون بزيارة قبر، بل بالسجود لله وحده،
وبالدعاء الذي لا يُوجّه إلا له سبحانه وتعالى.




					
					
					
						
  رد مع اقتباس
						
						
						
مواقع النشر (المفضلة)