يشير عديد من التقارير إلى أن عصر الطاقة المتجددة الرخيص قد انتهى، ما أعطى موجة جديدة من عدم اليقين لأسواق الطاقة العالمية التي ضربتها أزمة إمداد واحدة تلو الأخرى. لقد تم وصف الانخفاض المستمر في تكاليف إنتاج طاقة الرياح، الطاقة الشمسية وبطاريات المركبات الكهربائية باعتباره المحرك الرئيس لانتشارها المتزايد وبالتالي استحواذها على شبكة الكهرباء العالمية. حتى عامين ماضيين، لم يكن هناك سيناريو آخر مطروحا على الطاولة رغم أن التضخم كان حقيقة واقعة في ذلك الوقت كما هي الآن. الآن فقط، أصبح الأمر أكثر وضوحا للعيان.
في مؤتمر المعادن والتعدين الأخير في الرياض، أشار عديد من الحاضرين إلى أن صناعة التعدين لم تعد محبذة للمقرضين لأنها عدت مضرة بالبيئة. لكن الآن، أصبح من الواضح تماما أن دون صناعة التعدين، لا يمكن أن يكون هناك انتقال حقيقي للطاقة. تعتمد الألواح الشمسية، توربينات الرياح، خطوط نقل الطاقة والمركبات الكهربائية على المعادن بكميات متفاوتة. مع ذلك، هذه الكميات تمثل بالفعل إشكالية. أثناء فترة الوباء، تسببت اضطرابات سلسلة التوريد -على ما يبدو هذه هي إحدى العبارات الأكثر شيوعا المستخدمة أثناء فترة الجائحة- في إحداث فوضى في جميع الصناعات، ما أدى إلى نقص كبير في المواد الخام، ولا سيما في المعادن، الفلزات والبولي سيليكون. عادة يؤدي نقص المعروض إلى ارتفاع الأسعار، وهذا بالضبط ما حدث هنا أيضا. ونتيجة لذلك، بدأت تكاليف الألواح الشمسية، توربينات الرياح وبطاريات السيارات الكهربائية في الارتفاع -وهو تطور لم يكن يتوقعه عديد من خبراء الطاقة المتجددة.
في هذا الجانب، ذكرت وكالة بلومبيرج الشهر الماضي أن أسعار الألواح الشمسية قد ارتفعت أكثر من 50 في المائة في الأشهر الـ 12 الماضية وحدها. وأشار تقرير الوكالة إلى أن أسعار توربينات الرياح ارتفعت بنسبة 13 في المائة وأن أسعار البطاريات آخذة في الارتفاع لأول مرة على الإطلاق.
بما أن تأخيرات سلسلة التوريد الناجمة عن الوباء تلحق الضرر بكل شيء بدءا من السيارات حتى الرقائق الإلكترونية، لذلك لا يشكل ارتفاع أسعار الطاقة المتجددة أي مفاجأة. لكن اضطرابات عمليات الشحن ونقص السلع يأتيان في لحظة حساسة خصوصا لطاقتي الرياح والشمسية. حيث إن بعد أعوام من التقدم السريع في التكنولوجيا والتصنيع، هناك الآن فرص أقل لخفض التكاليف دون التضحية بالأرباح. وبدلا من انخفاض الأسعار بشكل دائم، ستكون بين مد وجزر بناء على تكاليف المواد الخام وقوى السوق الأخرى. إضافة إلى ذلك، ارتفاع أسعار الفائدة يهدد بزيادة تكاليف مشاريع طاقتي الرياح والشمسية حيث تسعى البنوك المركزية الآن إلى اعتماد سياسة نقدية أكثر تشددا لكبح جماح التضخم.
بالنسبة لأسواق الطاقة التي تكافح في مواجهة الدفع نحو انتقال الطاقة -في وقت نشهد فيه انقطاعات التيار الكهربائي وتقلبات شديدة في الأسعار- يعد تضخم أسعار الطاقة النظيفة تحديا أساسيا آخر. بالفعل يواجه صانعو السياسات المتهمون بالدفع السريع نحو طاقة الرياح والطاقة الشمسية حيث أصبحت الشبكات الكهربائية غير مستقرة، ضغوطا لضمان أن يكون نظام الطاقة بأكمله أكثر موثوقية -على سبيل المثال عن طريق إقران الطاقة الشمسية بالبطاريات، أو إبقاء المحطات النووية القديمة تعمل فترة أطول.
بالطبع، يمكن اعتبار كل هذا خللا مؤقتا بسبب اضطرابات سلسلة التوريد، بمجرد التعامل مع هذه الأمور، يجب أن تعود الأسعار إلى وضعها الطبيعي. لكن لسوء الحظ، لا يمكن لهذه الحجة أن تصمد لأن جميع توقعات الطلب على تلك المعادن تصاعدي دائما، تحديدا المعادن التي تعد حرجة، لأن انتقال الطاقة يتوقف عليها. بعبارة أخرى، سيحتاج العالم إلى كميات هائلة من النحاس، الليثيوم، النيكل، المنجنيز والكوبالت، من بين أمور أخرى، لمواصلة تحول الطاقة. ولا يمكن توريدهم بسرعة لتلبية الطلب المتزايد.
في الأعوام الأخيرة، أدت مشكلة الإقراض لصناعة التعدين إضافة إلى العرض المتزايد في بعض قطاعات سوق المعادن إلى انخفاض الاستثمارات في مشاريع المناجم الجديدة. يضاف ذلك إلى مشكلة موجودة بالفعل تتعلق بانخفاض جودة الخامات. على سبيل المثال، تحتاج صناعة التعدين الآن إلى استخراج مزيد من الخام للعثور على الكمية نفسها من النحاس، مما كان عليه قبل 20 عاما. هذا يعني أن استخراج طن من النحاس أصبح أكثر تكلفة حتى دون زيادة الطلب. مع توقعات الطلب المتزايدة، فإن النظرة المستقبلية للنحاس والمعادن المهمة الأخرى هي بالتأكيد صعودية. لكن التوقعات التصاعدية للنحاس تعني ارتفاع أسعار طواحين الهواء والمزارع الشمسية، وكذلك المركبات الكهربائية.
هذا ليس كل شيء، لأن هناك أيضا مشكلة العرض الجديد. من المؤكد أن البنوك الآن مهتمة أكثر بالاستثمار في صناعة التعدين، أي تلك المعادن والفلزات المهمة. لكن المساهمون والحكومات يصرون أن تكون عمليات تعدين هذه المعادن والفلزات بشكل مسؤول -أي امتثالا لبعض متطلبات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة ESG. في هذا الجانب، يشير تقرير حديث صادر عن "نشرة المعادن" Metal Bulletin إلى أن شركات صناعة السيارات تضع مورديها من المعادن في عملية تدقيق للتأكد أنهم قد اتبعوا عمليات تعدين مسؤولة. ما يؤدي إلى تراكم هذه التكاليف الإضافية أيضا.
أيضا هذا ليس كل شيء، لأن إمدادات المعادن والفلزات الجديدة ستكون حيوية لانتقال الطاقة. ومن السمات الرئيسة لصناعة التعدين فترات الإنجاز الطويلة التي لا توجد طريقة للتغلب عليها. حيث، يستغرق تحويل ترسبات المعادن المحتملة إلى منجم عامل نحو عقد من الزمان، حتى مع وجود أحدث التقنيات. باختصار، إذن، قد يكون الاتجاه الحالي لارتفاع الأسعار في مجال الطاقة المتجددة مجرد بداية لاتفاع واسع النطاق يمكن أن يستمر لعقود.
مواقع النشر (المفضلة)