الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِنَفْسِ اللَّفْظِ،
وَعَنْ نَفْسِ الصَّحَابِيِّ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
وَفِيمَا يَلِي رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ:
3456 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ،
حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ»


إِذَنْ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَوْفَ تَتْبَعُ طَرِيقَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ،
لِدَرَجَةِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى شَيْءٌ سَيِّءٌ وَقَعُوا فِيهِ إِلَّا وَسَوْفَ نَقَعُ فِيهِ،
فَمَا هِيَ طَرِيقَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.

سَنَنُ مِنْ قَبْلِنَا

إِنَّ مَعْرِفَةَ سَنَنِ مَنْ قَبْلِنَا أَمْرٌ فِي غَايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ،
لِأَنَّهُمْ نُسْخَةٌ طِبْقِ الْأَصْلِ مِنَّا، لِذَلِكَ فَكُلُّ الْأَخْطَاءِ الَّتِي وَقَعُوا فِيهَا، سَنَقَعُ فِيهَا،
وَهَذَا مَا يُفَسِّرُ لِمَاذَا يُرَكِّزُ الْقُرْآنُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ تَحْدِيدًا،
فَيُكَلِّمُنَا عَنْ كُلِّ مَا مَرُّوا بِهِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَتَحَدَّثُ عَنَّا نَحْنُ أَيْضًا،
فَنَحْنُ نُسْخَةُ طَبَقِ الْأَصْلِ مِنْهُمْ.

إِنَّنَا عِنْدَ فَحْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَكُونُ فِي الْغَالِبِ مُحَايِدِينَ،
لِأَنَّنَا لَا نَشْعُرُ بِالِانْتِمَاءِ لَهُمْ، لِذَلِكَ تَكُونُ أَحْكَامُنَا عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ دِقَّةً مِنْ أَحْكَامِنَا عَلَى أَنْفُسِنَا،
لِأَنَّنَا بِشَكْلٍ فِطْرِيٍّ مُتَحَيِّزُونَ لِمَا نَعْتَقِدُ، لِذَلِكَ هُمْ نَمُوذَجٌ مُسْتَقِلٌّ عَنَّا،
يُعْطِينَا صُورَةً دَقِيقَةً عَنْ وَاقِعِنَا بِكُلِّ حِيَادِيَّةٍ.

لَمَّا تَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَنْ قَبْلَنَا،
جَمَلَهُمْ فِي طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ:

سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ
لِيُشِيرَ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى عَلَى نَفْسِ الطَّرِيقِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمُسَمَّيَاتُ،
فَهُمْ لَهُمْ نَفْسُ السَّنَنِ، لِذَلِكَ إِذَا تَحَدَّثْنَا عَنْ سَنَنِ النَّصَارَى،
نَكُونُ قَدْ تَحَدَّثْنَا عَنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِذَلِكَ سَوْفَ أَكْتَفِي بِالْحَدِيثِ عَنْ النَّصَارَى فِي هَذِهِ السُّطُورِ فَأَقُولُ:

بَعْدَ أَنْ رَفَعَ اللَّهُ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ بِفَتْرَةِ اللَّهِ أَعْلَمُ بِطُولِهَا بِالضَّبْطِ،
ظَهْرَ نَاسٌ يَزْعُمُونَ الْعِلْمَ وَاتِّبَاعَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمَّونَ بِالْحَوَارِيِّينَ،
هُمُ الْمُؤَسِّسُونَ الْفِعْلِيُّونَ لِلدِّينِ النَّصْرَانِيِّ كَمَا نَعْرِفُهُ الْيَوْمَ،
مِنْ أَشْهَرِهِمْ بُولُسُ الَّذِي تُمَثِّلُ رَسَائِلُهُ أَغْلَبَ كُتُبِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الْمَوْجُودِ الْيَوْمَ.

بُولُسُ هُوَ الْمَسْؤُولُ عَنْ عَقِيدَةِ الْخَلَاصِ الْقَائِمَةِ عَلَى فِكْرَةِ الْخَطِيئَةِ الْأَبَدِيَّةِ،
وَأَنَّ عِيسَى صُلِبَ عَلَى الصَّلِيبِ لِيُكَفِّرَ عَنْ خَطَايَانَا، هَذَا فَضْلًا عَلَى عَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ.

لِذَلِكَ يُمَارِسُ النَّصَارَى الشِّرْكَ الصَّرِيحَ دُونَ أَنْ يُسَمُّوهُ بِاسْمِهِ،
وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَ يُحِبُّونَهُ حُبًّا جَمًّا،
وَإِذَا نَاقَشَهُمْ أَحَدٌ فِي مُعْتَقَدَاتِهِمْ، قَدَّمُوا لَهُ أَقْوَالَ بُولُسَ بِصِفَتِهَا وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ،
غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلنَّقْضِ، وَلَوْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِمَا قَالَهُ عِيسَى بِحَسَبِ أَنَاجِيلِهِمْ،
فَهُمْ يَعْتَبِرُونَ بُولُسَ أَفْهَمُ لِكَلَامِ عِيسَى وَأَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ.

أَيْضًا يَنْقَسِمُ النَّصَارَى إِلَى فِرَقٍ كَثِيرَةٍ، وَلَكِنَّ الْقَاسِمَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهَا
هُوَ عَدَمُ اتِّبَاعِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَبِالطَّبْعِ لَا أَشُكُّ أَنَا وَلَا أَنْتَ فِي كُفْرِهِمْ،
وَعَدَمِ اتِّبَاعِهِمْ لِعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟
أَيُّهَا الْقَارِئُ إِنَّمَا أَسْعَى إِلَيْهِ مِمَّا سَبَقَ هُوَ تَنْبِيهُ مِنْ غَفْلَتِنا، وَحَتَّى لَا ننْخَدِعَ بِبَائِعِي الْمُخَدِّرَاتِ الَّذِينَ يَخْدُرُونَ النَّاسَ
بِقَوْلِهِمْ أَنَّنَا أُمَّةٌ طَيِّبَةٌ وَصَالِحَةٌ، وَالْحَقِيقَةُ خِلَافُ ذَلِكَ،
فَنَحْنُ قَدْ تَبِعْنَا سَنَنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِذَلِكَ
ضَرَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا الذِّلَّةَ وَالْمَسْكَنَةَ كَمَا ضَرَبَهَا عَلَيْهِمْ،
فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَسُنَنُ اللَّهِ لَا تُحَابِي أَحَدًا، لِذَلِكَ إِذَا أَرَدْتَ النَّجَاةَ عَلَيْكَ بِالْإِسْلَامِ لِلَّهِ فِعْلًا،
وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَكْفُرَ بِكُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ، وَتَتَبَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصْرًا،
فَيُنِيرُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ دَرْبُكَ، وَتَحْيَى بَعْدَ مَوْتِكَ، مِصْدَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿أَوَمَن كانَ مَيتًا فَأَحيَيناهُ وَجَعَلنا لَهُ نورًا يَمشي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيسَ بِخارِجٍ مِنها
كَذلِكَ زُيِّنَ لِلكافِرينَ ما كانوا يَعمَلونَ﴾