السوق السعودي: ليست غربة، بل تحولات جذرية
إنّ ما يشهده السوق السعودي اليوم ليس غريبًا في جوهره، بل هو نتيجة طبيعية لتحولات اقتصادية وهيكلية عميقة لم نتمكن من استيعابها بشكل كامل بعد. لقد تحوّل السوق من سوق يعتمد على سيولة محدودة وعدد قليل من المحرّكات، إلى سوق أكثر تعقيدًا وتنوعًا.
1. إعادة هيكلة ملكية الأسهم وصناديق الاستثمار
أحد أبرز التحولات هو إعادة هيكلة ملكية الأسهم الحكومية والمؤسسية. ففي السابق، كانت هناك كميات كبيرة من الأسهم "المجمدة" أو غير النشطة التي تملكها جهات حكومية مثل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والمؤسسة العامة للتقاعد، وصندوق الاستثمارات العامة.
- الدليل: شهدت الفترة الأخيرة، خاصة في إطار رؤية 2030، قيام صندوق الاستثمارات العامة ببيع أجزاء كبيرة من حصصه في شركات كبرى (مثل شركة سابك وشركة المراعي)، وإعادة ضخ هذه السيولة في مشاريع استثمارية جديدة.
- الشاهد: أدت هذه الخطوة إلى زيادة المعروض من الأسهم في السوق، مما أثّر على ديناميكية العرض والطلب. كما تم دمج جزء من هذه الأسهم في صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs)، التي تساهم في إدارة هذه الأصول بشكل مختلف.
2. دخول شركات جديدة وزيادة عدد الصناديق
لقد أصبح السوق أثقل وأكثر تنوعًا بفضل دخول شركات عملاقة عبر الاكتتابات العامة، بالإضافة إلى زيادة عدد الصناديق الاستثمارية.
- الدليل: كان اكتتاب أرامكو في عام 2019 هو الأكبر في التاريخ، وقد أضاف قيمة سوقية ضخمة للسوق السعودي، مما جعله من أكبر الأسواق في العالم.
- الشاهد: دخول هذه الشركات الضخمة، إلى جانب زيادة عدد صناديق المؤشرات والصناديق الاستثمارية، أحدث تغييرًا في توزيع السيولة. فبدلًا من أن تتركز السيولة في عدد محدود من الأسهم، أصبحت تتوزع على عدد أكبر من الشركات والقطاعات، مما يقلل من حدة الحركة السريعة في سهم معين.
3. السيولة: خروج ونمو في آن واحد
ت فبينما يرى البعض أن هناك خروجًا للسيولة، إلا أن الحقيقة أكثر تعقيدًا.
- خروج السيولة: بالفعل، هناك سيولة سعودية تتجه إلى الأسواق العالمية بحثًا عن فرص استثمارية متنوعة، خاصة في الأسواق الناشئة والمتقدمة التي توفر عوائد مختلفة.
- نمو السيولة: في المقابل، تشهد صناديق المؤشرات زيادة في السيولة المستثمرة، حيث يفضل بعض المستثمرين الشراء عبر هذه الصناديق بدلًا من شراء الأسهم بشكل فردي، نظرًا لتوزيع المخاطر. هذا النوع من السيولة يُعرف بـ السيولة الاستثمارية طويلة الأجل، التي تميل إلى أن تكون أقل حركة.
4. تأثير السياسة النقدية على أرباح الشركات
وهذه نقطة بالغة الأهمية. فالمؤشرات الاقتصادية العالمية والسياسات النقدية المحلية لها تأثير مباشر على أداء الشركات.
- المستفيدون: كما أشرت، البنوك هي المستفيد الأول من رفع أسعار الفائدة. فزيادة الفائدة تؤدي إلى توسيع هامش الربح بين أسعار الإقراض والإيداع، مما يعزز من أرباحها.
- المتضررون: في المقابل، فإن الشركات ذات القروض الكبيرة تتضرر بشكل مباشر من ارتفاع الفائدة، حيث ترتفع تكلفة الاقتراض عليها، مما يقلل من أرباحها ويضعف قدرتها على التوسع.
خلاصة القول
إن السوق اليوم ليس غريبًا، بل أصبح أكثر نضجًا وثقلًا. هو يحتاج إلى سيولة متحركة (للتداول اليومي) و سيولة استثمارية (لتجميد بعض الأسهم وتوفير الاستقرار). إن فهم هذه التحولات هو مفتاح النجاح في التعامل مع السوق، الذي أصبح أكثر ارتباطًا بالاقتصاد العالمي وأكثر تنوعًا في بنيته الداخلية.
تم الاستعانة بصديق لكتابة هذا الرد![]()
مواقع النشر (المفضلة)