الفا بيتا | توظيف الطاقة سياسيا .. الغاز كمثال (argaam.com)
هناك تبعات متعددة للحرب الروسية - الأوكرانية، لكن يبدو أن أهمها الاقتصادية، خاصة في ميدان الطاقة من جوانب عدة، بدأت برفع الأسعار واضطراب الأسواق، والنظر في توظيف عملات أخرى كان آخرها إصرار روسيا على استخدام الروبل لصادرتها من الغاز لأوروبا. سبق أن حذر مسؤولون وخبراء غربيون من توظيف الطاقة سياسيا، لكن وقعوا في المحظور بسبب ردات الفعل غير المنظمة من التأثير غير المتجانس على دول ومنتجات كثيرة، مثل الأسمدة، وبالتالي الغذاء، وطبيعة الاستثمارات وتوقيتها التي غالبا طويلة المدى، بينما رد الفعل السياسي والعاطفي يطالب بنتائج سريعة، والتأثير على طموح الحد من الانبعاثات الكربونية. وأخيرا، دور أسعار الطاقة في التضخم في مرحلة يريد الغرب إعادة السياسة النقدية إلى وضع طبيعي. هذه ربما التأثيرات الأولية، لكن هناك تأثيرات ثانوية لا تقل خطورة على دول أخرى فقيرة وصغيرة، فمثلا سريلانكا تعاني وكان آخر ما تحتاج أزمة طاقة، وكذلك دول آسيا الوسطى، بسبب نقص التحويلات من روسيا ودول نامية في إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية.
الرغبة والسياسة المعلنة بتقليل الاعتماد على الغاز والنفط الروسي في أوروبا معقدة على أكثر من مستوى. الأول في المدى القصير تحاول أمريكا توفير الغاز المسال من المتوافر للتصدير بنحو 15 مليار متر مكعب، مقارنة بـ 155 مليار متر مكعب تصدرها روسيا الى أوروبا، أي نحو 10 في المائة، لكن حتى مصادره غير واضحة، فهناك محاولة تحويل صادرات دول أخرى تحاول أمريكا إقناعها بتحويل الغاز إلى أوروبا، مثل قطر وترينداد والجزائر، بينما صدرت أمريكا 22 مليار متر مكعب في 2021، ونحو عشرة مليارات متر مكعب في الربع الأول من 2022. الأسعار أعلى في أوروبا، إذ تصل إلى ما يعادل 300 دولار مكافئ للنفط، ولذلك ستتجه الناقلات إلى أوروبا، لن يعوقها إلا توافر معامل إعادة تحويل الغاز من سائل إلى غاز. وهذا العامل الثاني المؤثر، إذ إن هذه المعامل لا تتوافر في كثير من الدول، خاصة ألمانيا، وهذه بطبعها استثمارات ضخمة وطويلة المدى لا يمكن أن تكون اقتصادية في 2030. أحد التبعات أن الغاز الروسي سيتحول إلى أسواق أخرى ما يرفع سعره بالناقلات الأعلى سعرا من الأنابيب، لكن ربما بحث روسيا عن عملاء جدد سيخفض الطلب الذي بدأ بالانخفاض في آسيا. أغلب الغاز يباع من خلال عقود طويلة الأجل، لذلك ستشهد السوق إعادة ترتيب قسرية مزعجة وتوظيفا أكثر للناقلات وتطويل فترة نقله. العامل الثالث البيئي، فالخطط والأهداف تواجه تناقضات، فمن ناحية عملية لا بد من تعظيم توظيف الوقود الأحفوري وليس الغاز فقط، لكن حتى الفحم ارتفعت أسعاره وعاد بعض شركاته إلى مستوى ربحي تاريخي. من ناحية أخرى، الاستثمار في محطات تسييل الغاز في أوروبا لا يمكن أن يكون مربحا لمدة تقل عن 25 عاما، كما أنه يأخذ وقتا للترخيص والإنشاء، كما أن بعض الدول، مثل فرنسا، يتجه إلى مزيد من الاعتماد على الطاقة النووية. حتى الطاقة المتجددة أصبحت أعلى تكلفة بسبب ارتفاع أسعار المعادن، خاصة أن روسيا أحد مصادرها، كما أن التعدين بيئيا لا يقل تأثيرا عن بعض الوقود الأحفوري، إلى حد دعوة إيلون ماسك، مؤسس تسلا وأحد أكبر دعاة الطاقة المتجددة، إلى اللجوء للطاقة الهيدروكربونية في الوقت الحاضر.
في المدى البعيد دخلت أوروبا حسابات أكثر ضبابية، منها أن بعض مشاريع محطات التسييل لن تحدث، لأن العلاقات الاقتصادية سترجع إلى مسار طبيعي في النهاية، وسيعاد جدول التحول البيئي غير المنطقي أساسا. كان العالم يواجه موجة عاطفية أصبحت منظمة سياسيا لمحاربة النفط والغاز والفحم في عناد صارخ ضد الحيثيات الاقتصادية إلى أن جاءت الانفعالات الغربية ضد روسيا ما أوصل العالم إلى مستوى جديد من الرياء المكلف ماديا وبيئيا ومعنويا وسياسيا بسبب إقحام السياسة في اقتصادات الطاقة. النتيجة المباشرة أن أوروبا تواجه نموا اقتصاديا أقل، مع هجرة مكلفة، وإعادة تسلح، واستثمارات غير اقتصادية، بتأليب أمريكي، بينما أمريكا في وضع أكثر راحة بمسافة.
مواقع النشر (المفضلة)