عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال " يا غلام , إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك , إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله , واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك , وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك , رفعت الأقلام وجفت الصحف " رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح
وفي رواية غير الترمذي " احفظ الله تجده أمامك , تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة , واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لك يكن ليخطئك , واعلم أن النصر مع الصبر , وأن الفرج مع الكرب , وأن مع العسر يسراً "


┈••✾••✿••✾••┈الشرح┈••✾••✿••✾••┈


قوله " كنت خلف النبي " يحتمل أن راكب معه , ويحتمل أنه يمشي خلفه , وأياً كان فالمهم أنه وصاه بهذه الوصايا العظيمة .

قال : " إني أعلمك كلمات " قال ذلك من أجل أن ينتبه لها .


قوله " احفظ الله يحفظك " هذه كلمة " احفظ الله " يعني احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه يحفظك في دينك وأهلك ومالك ونفسك , لأن الله سبحانه وتعالى يجزي المحسنين بإحسانهم .
وعُلم من هذا أن من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عزوجل , وفي هذا الترغيب على حفظ حدود الله عزوجل .


قال " احفظ الله تجده اتجاهك " معنى " تجده اتجاهك " أي تجده أمامك يدلك على كل خير ويقربك إليه ويهديك إليه .


قوله " إذا سألت فاسأل الله " إذا سألت حاجة فلا تسأل إلا الله عزوجل ولا تسأل المخلوق شيئاً , وإذا قُدر أنك سألت المخلوق ما يقدر عليه , فاعلم أنه سبب من الأسباب وأن المسبب هو الله عزوجل فاعتمد على الله تعالى .


قوله " وإذا استعنت فاستعن بالله " فإذا أردت العون وطلبت العون من أحد فلا تطلب إلا من الله , لأنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وهو يعينك إذا شاء وإذا أخلصت الاستعانة وتوكلت عليه أعانك وإذا استعنت بمخلوقٍ فيما قدر عليه فاعتقد أن سبب وأن الله هو الذي سخره لك .


قوله " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك " الأمة كلها من أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وعلى هذا فإن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة , لأنه هو الذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله تعالى ونعلم , أن الأمة لا يجلبون لنا خيراً إلا بإذن الله عزوجل .


قوله " وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك " وعلى هذا فإن نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد كتبه عليك فارض بقضاء الله وبقدره ولا حرج أن تحاول أن تدفع الضر عنك لأن الله تعالى قال " وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا " الشورى/40 .


قوله " رفعت الأقلام وجفت الصحف " يعني أن ما كتبه الله تعالى قد انتهى فالأقلام رفعت والصحف جفت ولا تبديل لكلمات الله .


***

*رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح , وفي رواية غير الترمذي " احفظ الله تجده أمامك " وهذا بمعنى " احفظ الله تجده اتجاهك " .


" تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة " يعني قم بحق الله عزوجل في حال الرخاء , وفي حال الصحة , وفي حال الغنى " يعرفك في الشدة " إذا زالت عنك الصحة وزال عنك الغنى واحتجت إلى الله عرفك بما سبق لك , أو بما سبق من فعل الخير الذي تعرفت به إلى الله عزوجل .


" واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك , وما أصابك لم يكن ليخطئك " يعني أن ما قدر الله تعالى أن يصيبك فإنه لا يخطئك , بلا لابد أن يقع , لأن الله قدره .

وأن ما كتب الله أن يخطئك رفعه عنك فلن يصيبك أبداً فالأمر كله بيد الله وهذا يؤدي إلى أن يعتمد الإنسان على ربه اعتماداً كاملاً ثم قال " واعلم أن النصر مع الصبر " فهذه الجملة فيها الحث على الصبر , لأنه إذا كان النصر مع الصبر فإن الإنسان يصبر من أجل أن ينال الصبر .

وقوله " وأن الفرج مع الكرب , وأن مع العسر يسرا ً " الفجر انكشاف الشدة والكرب الشديد جمعه كروب كمال قال تعالى " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا "


مصدر الحديث والشرح: موقع ابن عثيمين