المداومة على العبادة: إخوة الإسلام عباد الله: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربيته لأصحابه يركِّز على إذكاء روح المداومة في العبادة، وفي الأعمال التي يعود نفعها على المرء في الدنيا والآخرة؛ قال صلى الله عليه وسلم فيما ورد عنه: ((أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قلَّ)).
ودِّعوا رمضان بالاستمرار في الصيام:أخي المسلم، طِبْ نفسًا بمواسم الصيام، وقاوم الشيطان طوال العام، صمت رمضان إيمانًا واحتسابًا، وها قد رحل رمضان، فاستمرَّ في صيام النوافل، تزدَدْ إيمانًا، وتصدَّ الشيطان؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من استطاع منكم الباءةفليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء))؛ وجاء يعني: وقاية، لديك الاثنين والخميس، والأيام القمرية، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، والعشر من ذي الحجة، وغيرها.ودِّعوا رمضان بالحفاظ على الصلاة:حافظوا على الصلاة؛ فهي مناط الفلاح، وطريق النجاح، والفاصل بين الإيمان والكفر، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.

استيقظ أبو يزيد ليلةً، فإذا أبوه يصلي، فقال: علمني كيف أتطهر وأفعل مثل فعلك، وأصلي معك؟ فقال له أبوه: يا بني، ارقد فإنك صغير بعدُ، قال: يا أبتِ، إذا كان يوم يصدر الناس أشتاتًا ليرَوا أعمالهم، أقول لربي: إني قلت لأبي: كيف أتطهر لأصلي معك؟ فأبى، وقال لي: ارقد فإنك صغير بعد، قال أبوه: لا والله يا بني، وعلَّمه فكان يصلي معه، ثم قال له: إياك إياك أن يسبقك الديك، فيكون أكيس منك؛ يسبِّح وأنت نائم.
ودِّعوا رمضان بالاستمرار في التهجد:أخي المسلم، قمت رمضان إيمانًا واحتسابًا، وها قد انقضى شهر القيام، فلا تقصر عنه سائر الأيام، فخُذْ بالجِدِّ فيه؛ عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل، فقال: يا محمد، عِشْ ما شئت، فإنك ميت، أحْبِبْ مَن شئت، فإنك مفارقه، واعمل ما شئت، فإنك مجزِيٌّ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل،وعزه استغناؤه عن الناس))؛ [أخرجه الطبراني].ودِّعوا رمضان بالاستمرار في تلاوة القرآن:أيها المسلمون: لا تودِّعوا رمضان ثم تهجروا القرآن، استمروا في تلاوة القرآن، فلا تهجروه، فهو كلام الملك العلَّام؛ حتى لا تقعوا تحت طائلة الآية: ﴿ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].إذا أردت أن يكلمك الله، فاقرأ القرآن، وإذا أردت أن تكلم الله، فافزع إلى الصلاة؛ قال عمرو بن العاص: "كل آية في القرآن درجة في الجنة، ومصباح في بيوتكم"، وقال أيضًا: "من قرأ القرآن فقد أُدرِجت النبوة بين جنبيه، إلا أنه لا يُوحَى إليه".قال أبو هريرة: "إن البيت الذي يُتلَى فيه القرآن اتسع بأهله، وكثُر خيره، وحضرته الملائكة، وخرجت منه الشياطين، وإن البيت الذي لا يُتلى فيه كتاب الله عز وجل ضاق بأهله، وقلَّ خيره، وخرجت منه الملائكة، وحضرته الشياطين".ودِّعوا رمضان بالاستمرار في البذل والإنفاق:كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة، كان مع ربِّه العبدَ الطائع، وكان مع الناس الفقير الجائع، وكان مع الجيران المحبَّ الودود، وكان مع أهله الخير الرشيد، ويوم أن دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للإنفاق والاستعداد للجهاد في سبيل الله، إذا بالصحابة يسارعون بأموالهم وأنفسهم، كلٌّ حسب طاقته وقدرته، بل ينادي صلى الله عليه وسلم: ((من يجهز جيش العسرة - وكان يوم تبوك - وله الجنة))، فيقوم عثمان بن عفان رضي الله عنه ويجهز الجيش بماله؛ فيقول صلى الله عليه وسلم: ((ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم)).يبكون لأنهم لا يجدون ما يعينهم على الجهاد، وهؤلاء فقراء يريدون المشاركة والمنافسة على هذا الباب من أبواب الخير، لكنهم لا يملكون زادًا ولا راحلة، فيأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون منه ما يحملهم عليه للغزو، فقال لهم: ((والله لا أجد ما أحملكم عليه))، فهل عادوا فرِحين مستبشرين لأن الجهاد سقط عنهم، أو لأنهم لا يجدون ما ينفقون فبرِئت ذمتهم؟ كلا ثم كلا، بل تولَّوا وهم يبكون، وعزَّ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدوا نفقة ولا محملًا، ولا ينافسوا في هذا الخير ولا يسبقوا غيرهم إليه؛ فأنزل الله عذرهم في كتابه فقال: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾ [التوبة: 92].في يوم من الأيام يسمع الصحابة قول الله تعالى: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 41