فصاحة الصغار

يُحكي أنّ الحجاج ابن يوسف الثقفي أمر صاحبَ حراستِه أن يطوفَ بالليل فمَن وجده بعد العشاءِ ضرب عُنُقَه
فطاف ليلةً فوجد ثلاثةَ صبيان يتمايلون وعليهم أثرُ الشراب فأحاط بهم وقال لهم مَن أنتم حتى خالفتم الأمير
فقال الأول
أنا ابنُ مَن دانتِ الرقابُ له
ما بين مَخزومِها وهاشِمِها
تأتي إليه الرقابُ صاغرةً
يأخُذُ مِن مالِها ومِن دمِهَا
فأمسك عن قتلِه وقال لعله مِن أقارب أميرِ المؤمنين

وقال الثاني
أنا ابنُ الذي لا يُنزِلُ الدهرَ قِدْرَه
وإن نزلَتْ يومًا فسوف تعودُ
ترى الناسَ أفواجًا إلى ضوءِ نارِه
فمنهم قيامٌ حولَها وقُعودُ
فأمسك عن قتله وقال لعلّه مِن أشرافِ العرب

وقال الثالث
أنا ابنُ الذي خاض الصّفوفَ بعزمِه
وقَوّمَها بالسيف حتى استقامَتِ
رِكاباهُ لا تنفكُّ رِجلاهُ عنهما
إذَا الخيلُ في يومِ الكريهةِ ولّتِ
فأمسك عن قتله وقال لعله من شُجعان العرب

فلما أصبح رفع أمرَهم إلى الحجّاج فأحضرهم وكشف عن حالهم فإذا الأولُ ابنُ حجّام والثاني ابنُ فَوّال والثالث ابنُ حائك
فتعجّب الحجاجُ من فصاحتهم وقال لجُلَسائه علِّموا أولادَكُمُ الأدبَ فوالله لولا الفصاحة لضربتُ أعناقَهم ثم أطلقهم وأنشد
كُنِ ابنَ مَن شئتَ واكتسِبْ أدبًا
يُغْنيكَ مَح
مودُه عنِ النّسَبِ
إنّ الفتى مَن يقول ها أنا ذا
ليس الفتى مَن يقولُ كان أبي