"إن أهم ما تحتاج إلى معرفته إذا كنت ترغب في تجنب ارتكاب الكثير من الأخطاء الساذجة (في سوق الأسهم) هو إدراكك لحدود كفاءتك. ولكن هذا شيء صعب للغاية لأن العقل البشري يجعلك تميل للاعتقاد بأنك أكثر ذكاءً مما أنت عليه في الحقيقة". هذا ما قاله المليادير الأمريكي الشهير وصاحب "وارن بافيت" ورفيق دربه، "تشارلي مونجر" أثناء حديثه للمستثمرين حول كيفية التعامل مع أخطائهم.

المستثمرون الكبار مثل "بافيت" و"مونجر" اللذين يعدان من أساطير الاستثمار في سوق الأسهم لا يجدون أبدًا حرجًا في الاعتراف بأخطائهم والتحدث عنها علنًا أمام المستثمرين، لدرجة أن "بافيت" نفسه وصف أكثر من مرة بعض أخطائه بالفادحة، وفي المقابل نجد أن أكثر المستثمرين الأفراد وخصوصًا ضعيفي الخبرة منهم غالبًا ما يعزون أخطاءهم إلى سوء الحظ.

ما بين سوء الحظ والخطأ

النتائج السيئة التي يحققها المستثمر في سوق الأسهم بشكل عام يمكن أن تكون بسبب خطأ ارتكبه أو سوء حظه. على سبيل المثال، الخسارة الكبيرة التي عانى بسببها مساهمو شركة الأدوية الأمريكية "جونسون آند جونسون" قبل ما يقرب من 40 عامًا بسبب انخفاض سعر السهم على خلفية الأزمة المفاجئة التي عانتها الشركة لم تكن أكثر من سوء حظ، لا يد للمساهمين فيه ولا لإدارة الشركة.

خلال خريف عام 1982 ولأسباب غير معروفة قام مجهولون باستبدال كبسولات من مسكن الألم الخاص بـ"جونسون آند جونسون" والمعروف باسم "تيلينول إكسترا استرينس" بكبسولات أخرى بها مادة السيانيد السامة، قبل أن يعيدوا غلق بعض العبوات، التي قاموا بنشرها في عدة صيدليات ومخازن دواء في مدينة شيكاغو، لتتسبب لاحقًا في وفاة بعض الأشخاص، ونتيجة لهذه المؤامرة انخفض سعر السهم، وهذا لا يمكن اعتباره أبدًا خطأ مساهمي الشركة لأن ما حدث لم يكن بوسع أحد توقعه.


على العكس من ذلك كان الوضع مع عالم الرياضيات الأمريكي "جون ألينبولوس". ففي أوائل عام 2000 اشترى "بولوس" كمية من أسهم شركة "وورلدكوم" مقابل 47 دولاراً للسهم. في ذلك الوقت كانت صناعة الهواتف بعيدة المدى –الصناعة التي تعمل فيها "وورلدكوم"– تعاني التكدس والطاقة الإنتاجية المفرطة، وهو ما يهدد بوضوح مستقبل الشركة، غير أن "بولوس" تجاهل ذلك، لمجرد أن السهم كان لديه اتجاه صعودي واضح في ذلك الوقت.

بسبب ضعف أساسيات الشركة وتدهور وضعها التنافسي في السوق، تراجع السهم إلى 30 دولارًا في وقت لاحق من عام 2000، قبل أن يصل إلى 20 دولارًا في أكتوبر من العام نفسه. وبدلًا من أن يسارع للخروج من أجل وضع حد لخسائره، قام "بولوس" بزيادة حجم مراكزه في السهم، على أمل أن يرتد مرة أخرى إلى الأعلى ويعوضه عما تكبده من خسائر، وهو ما لم يحدث أبدًا.

في كتابه الشهير الصادر في عام 2003 تحت عنوان "عالم رياضيات يلعب في سوق الأسهم" يعترف "بولوس" أنه تجاهل المعلومات التي تشير لتدهور أساسيات "ورلد كوم" وبدأ يبحث على المواقع والمنتديات وشاشات التلفاز عن الأخبار والتحليلات التي تتحدث بشكل إيجابي حول الشركة حتى لو كانت تلك الرؤى والتحليلات لا يدعمها المنطق ولا شواهد الواقع، بسبب عدم رغبته في الاعتراف بأنه اتخذ قراراً خاطئاً وعليه تصحيحه.


ما بين سوء الحظ والخطأ توجد منطقة وسط يوجد فيها المستثمرون الذين يقررون بوعي عدم الدخول في استثمارات اتضح لاحقًا أنها مربحة جدًا. هذه بالنهاية ليست أكثر من فرصة ضائعة. على سبيل المثال، "وارن بافيت" هو صديق شخصي لـ"بيل جيتس" مؤسس "مايكروسوفت"، ورغم ذلك أحجم "بافيت" من البداية عن الاستثمار في "مايكروسوفت" لأنها ببساطة تعمل في صناعة هو لا يفهم فيها.

لا أحد يتعلم!

في سوق الأسهم يرتكب المستثمرون بمختلف مستويات خبراتهم عددًا لا حصر له من الأخطاء كل يوم، ولكن ما يفرق مستثمر عن آخر هو الكيفية التي يتعامل بها مع هذه الأخطاء. فأكثر المستثمرين للأسف لا يتعلمون من أخطائهم حتى وإن اعترفوا بها إما بسبب فشلهم في تحديد أسباب وقوعهم في تلك الأخطاء من البداية، وإما بسبب عدم صمودهم أمام مغريات وتقلبات السوق، وبالتالي يقعون في ذات الخطأ مرة أخرى.

ما يميز مستثمر مثل "وارن بافيت" عن غيره ليس اعترافه بأخطائه فقط وإنما أيضًا قدرته على التعلم من هذه الأخطاء. في عام 1965 استثمر "بافيت" في شركة المنسوجات "بيركشاير هاثاواي"، في خطوة تسببت له في خسائر كبيرة. قال "بافيت" لاحقًا إنه كان يعلم أن آفاق تصنيع المنسوجات لم تكن واعدة ولكنه رغم ذلك اشتراها لأن سعر سهمها بدا له منخفضًا.


اعترف "بافيت" لاحقًا أنه أخطأ حين قرر الاستثمار في هذه الشركة، ولكنه لم يكتف بهذا الاعتراف، بل أحجم منذ ذلك الحين عن الاستثمار في الأعمال عالية الكثافة الرأسمالية مثل المنسوجات، ما لم يكن يمتلك فيها حصة حاكمة تسمح له بالتأثير على القرارات الإدارية للشركة. ما فعله ويفعله "بافيت" حتى يومنا هذا يعجز عنه بشكل غريب أغلب مستثمري سوق الأسهم.

في دراسة منشورة في أغسطس 2012 تحت عنوان "هل يتعلم المستثمرون الأفراد من أخطائهم" حاول ثلاثة باحثين اختبار الفرضية التي تقول إنه مع اكتساب المستثمرين للمزيد من الخبرة يتحسن أداؤهم الاستثماري، والتأكد مما إذا كانت عوائد الاستثمار الأفضل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتعلم من الأخطاء الاستثمارية.

لاختبار فرضيتهم، استخدم الباحثون بيانات تداول 19487 مستثمرًا فرديًا على مدى فترة زمنية معينة، قبل أن تشير نتائج دراستهم إلى أن أخطاء مثل قلة التنويع والاحتفاظ بالأسهم الخاسرة لا تنخفض وتيرة ارتكابها حتى مع اكتساب المستثمرين الأفراد للمزيد من الخبرة. ومع ذلك، لاحظوا وجود ارتباط واضح بين قلة معدل دوران المحفظة وبين ازدياد الخبرة.


في كتابه الصادر في عام 2010 تحت عنوان "بافيت وما وراء القيمة" يقول الأستاذ في جامعة "جورج تاون" الأمريكي "بريم جين" إن أكثر مستثمري سوق الأسهم يرتكبون الأخطاء بسبب افتقارهم لمنهجية واضحة يتخذون قراراتهم الاستثمارية على أساسها. ببساطة يجب على المستثمر الذكي أن يضع لنفسه استراتيجية مبنية على مجموعة من القواعد العامة ويجبر نفسه على الالتزام بها بغض النظر عن اتجاه السوق، لأن هذا سيساعده على اتخاذ القرارات بشكل صحيح وفي وضع مواتٍ.

المصادر: أرقام
Buffett Beyond Value: Why Warren Buffett Looks to Growth and Management When Investing
Do Individual Investors Learn from Their Mistakes