بسم الله الرحمن الرحيم


أحياة كسابق عهدها أم تغيير جذري .. كيف ستبدو مدن العالم بعد انتهاء جائحة "كورونا"؟


ليست هذه هي المرة الأولى بالطبع التي يتعرض فيها العالم لأوبئة، فالتاريخ يحدثنا عن أمراض فتكت بالبشر في مختلف المدن، وعند التطرق إلى "كورونا"، سيذكره التاريخ بأنه فيروس نشأ في مدينة مكتظة بالسكان وسط الصين ثم تفشى عالمياً وتسبب في إصابة الملايين.

تغيرت الأحوال تماماً، وبدأ الكثيرون يتذكرون شكل الحياة قبل "كورونا"، وأصبحت الشوارع خاوية في مدن لطالما عانت من الزحام المروري والاكتظاظ السكاني والتلوث بشتى ألوانه.

لكن ماذا بعد انتهاء الجائحة؟ هل سيعود البشر لنمط حياتهم السابق؟ هل سيذهبون إلى أعمالهم وأنشطتهم عبر مترو مزدحم؟ ماذا عن شكل العمل في الشركات؟ أم أن العمل عن بعد سيكون أسلوب حياة؟

وتسعى المجتمعات للعودة إلى أنشطتها السابقة، وفي نفس الوقت، يتوقع البعض أن يصبح الخوف من المرض هو الأمر الاعتيادي الجديد، ومن أجل التكهن بالحياة الجديدة بعد الجائحة، نوقش مفكرون في ذلك لإعطاء لمحات عن شكلها.

كيف ستبدو مدن العالم بعد زمن "كورونا"؟


"ريتشارد فلوريدا": المدن الكبرى ستنجو من "كورونا"

- قال الأكاديمي بجامعة "تورونتو" وأحد مؤسسي "سيتي لاب" إن المدن الكبرى سوف تنجو من "كورونا" رغم أنها في الأغلب بؤر لتفشي الفيروس، لكن التاريخ يؤكد تغلبها على الأوبئة التي حدثت في الماضي وعادت أقوى مما كانت.

- انتشر وباء "الطاعون الدبلي" الذي عرف باسم الموت الأسود في مدن أوروبا خلال العصور الوسطى، كما ظهر في آسيا وانتشر في بعض مدنها حتى بداية القرن العشرين.

- تسببت الأنفلونزا الإسبانية عام 1918 في مقتل 50 مليون شخص حول العالم، ومع ذلك، سطع نجم مدن مثل نيويورك ولندن وباريس بعد انتهاء الوباء، ويظهر التاريخ كيف نجت المدن وانتقل إليها الكثيرون عقب الجائحة بحثاً عن الوظائف والأجور الأعلى فضلا عن أن بعض المدن عانت من انخفاض حاد في عدد سكانها.

- ربما شكلت الأوبئة في بعض المدن فرصا لإعادة تشكيل نفسها من كافة الجوانب بناءً على مدى طول الفترة التي عانت فيها كل مدينة من الجائحة، وفيما يتعلق بأزمة "كورونا"، ربما تتجه شعوب المدن والمناطق الحضرية لتغيير أنماط حياتها في التنقل والرغبة في الأمان الصحي بشكل أكبر.

- من الممكن توجه بعض سكان المدن إلى المناطق الريفية بعد انتهاء "كورونا"، لكن الشباب سيواصلون السعي وراء طموحاتهم الوظيفية مما سيبقيهم في المدن، أما الموسيقيون والفنانون، فسوف يتجهون إلى استئجار وحدات سكنية أقل تكلفة لتعرضهم لأزمات مالية شديدة نتيجة الانكماش الاقتصادي المرتبط بـ"كورونا".

- لطالما اعتبرت الأزمات والأوبئة بمثابة فرصة لتجديد الحياة في المجتمعات والمدن وتغيير أنماط وأساليب المعيشة.

"إدوارد جليزر": ما وراء الوظائف الحضرية

- تحدث الأكاديمي والاقتصادي بجامعة "هارفارد" "جليزر" عن أنه قبل جائحة "كورونا"، كان لديه ثقة في رواد الأعمال بالمناطق الحضرية وقدرتهم على خلق وظائف خدمية متنوعة تصمد أمام اقتصاد يميل بشكل متزايد نحو الأتمتة.

- أضاف أن وجود خدمة تقديم الشاي من أحد الأشخاص وعلى وجهه ابتسامة كانت بمثابة ملاذ آمن للباحثين عن وظائف، لكن التفاعل بين البشر ربما يقل بعد "كورونا"، ومثل هذه الوظائف ربما تختفي لو أصبح الخوف هو الأمر المعتاد، ومن ثم، ستختفي ملايين الوظائف الخدمية في المناطق الحضرية.

- لقد ازدهرت الشعوب وأصبحت المجتمعات أكثر صحة وأماناً على مدار عقود، ونسي الكثيرون تقريبا الجوائح وتفشي الأمراض، وفي تلك الأثناء، انتقلت وظائف من المزارع إلى المصانع والقطاع الخدمي الذي يوظف نحو 80% من القوى العاملة في أمريكا.

- في الولايات المتحدة وحدها، يعمل 32 مليونا في التجزئة والترفيه والضيافة، وهذه الوظائف في مرمى أزمة "كورونا"، ففي مسح حديث، توقعت مطاعم استمرار إغلاق أبوابها لأربعة أشهر وربما أكثر.

- يكمن الحل في استثمار مليارات الدولارات في بعض القطاعات الخدمية من أجل إنقاذ ملايين الوظائف التي ربما تختفي بعد انتهاء الأزمة.

"روبرت موجاه": فرصة للبناء على أسس أفضل

- قال مؤسس "معهد "إيجاربي" ومؤسسة "سيكديف جروب" "موجاه" إن "كورونا" يحدث تحولاً في الحياة العامة بالمدن، لقد أصبح التركيز على الأنظمة الصحية والمستشفيات، وانهارت الأنشطة التجارية وتقيدت حركة المواطنين وتم الضغط بقوة على البنية التحتية الرقمية حول العالم كما زادت التحديات الصحية الذهنية بعد أن أجبر مئات الملايين من البشر على العزل المنزلي.

- في غياب لقاح فعال ضد "كورونا"، يمكن أن تصبح كافة الأمور المذكورة روتيناً، ومع التركيز على إنقاذ حياة البشر، انحسرت جهود تنمية الاقتصادات مما يشكل خطورة على بعض الشعوب التي تواجه شبح الجوع ومشكلات اجتماعية.

- يحاول مسؤولو الولايات الأمريكية الوقوف على كافة المشكلات التي تتطلب التدخل عاجلاً لا سيما مع توقع موجة ثانية من "كورونا".

- على المدى القصير، تلعب التكنولوجيا دوراً حيوياً في التعامل مع الجائحة بأجهزة تعقب واختبار وتتبع للمخالطين لمصابي "كورونا" ومراقبة السجلات الصحية وقواعد التباعد الاجتماعي وتعزيز الأنظمة الصحية للتعامل مع التهديدات المستقبلية.

- يسرع "كورونا" من بعض التوجهات مثل رقمنة قطاع التجزئة والتحول إلى المجتمعات اللانقدية والعمل عن بعد والخدمات الافتراضية ووسائل النقل الآلية.

- لقد كشفت "كورونا" عورات في مجتمعات متقدمة كعدم المساواة وضعف الحوكمة، وهو ما يدفع بعض مسؤولي المدن لإعادة النظر والبناء على أسس أفضل.

"طوماس كامبانيلا": التعطش للعودة

- ذكر الأكاديمي بجامعة "كورنيل" "طوماس كامبانيلا" أن المدن حول العالم عانت من أوبئة أكثر فتكاً من "كورونا"، لكنها صمدت وازدهرت وأصبحت أكثر رخاءً وتقدماً.

- يرى "كامبانيلا" أن الانحسار في بعض الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الحضرية خلال أزمة "كورونا" سيكون مؤقتاً على أقصى تقدير، وسوف تعود إلى سابق عهدها بل أكثر قوة وازدهاراً، هذا ما يقوله التاريخ كما حدث في لندن التي نجت من حرائق ووباء مهلك في ستينيات القرن السابع عشر.

- يمثل "كورونا" مجرد حلقة من سلسلة من الأوبئة الفتاكة عبر التاريخ، ليس هذا فقط، بل هناك الأزمات النووية كالحرب الباردة التي كانت تنذر بدمار شامل حال حدوث مواجهة بين القطبين النووين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في القرن الماضي.

- يتوقع "كامبانيلا" اختفاء بعض ملامح الحياة المعتادة بعد "كورونا" مثل ظهور بدائل للمطاعم والمقاهي التقليدية، فالشعوب أصبحت تتواصل رقمياً بشكل متزايد، ومن ثم، ربما تعتاد على ذلك.

- ربما يتجنب كبار السن والذين يعانون من الأمراض المزمنة التواجد في المناطق الحضرية، لكن الكثيرين بالطبع، سيندفعون للخروج من العزل المنزلي وقيود الإغلاق متعطشين للعودة.

"ريبيكا كاتز": ستعزز المدن أدوات الحماية من الأمراض

- أوضحت الأكاديمية بجامعة "جورجتاون" "رييبيكا كاتز" أن العالم تغير بالفعل مع "كورونا"، فهناك من يسعون للحصول على وظيفة أو تعليم، وهناك من يبحثون عن التفاعل مع أقرانهم أو تجارب جديدة.

- أعطت "كورونا" الفرصة للشعوب لزيادة الإدراك والوعي بالأمراض والأوبئة، وأصبحت المساحات الأكبر هي السكن والتعايش أكثر جذبا من ذي قبل.

- منح "كورونا" الفرصة أيضاً للحكومات والدول لتطوير أنظمتها الصحية من أجل الرد والمواجهة مع أي أمراض معدية وفتاكة بشكل أفضل في المستقبل.

"ميمونة شريف": يمكننا بناء مستقبل حضري أفضل

- قالت مسؤولة الأمم المتحدة "ميمونة شريف" إن نحو 95% من مصابي "كورونا" يعيشون في مناطق حضرية.

- يضرب "كورونا" المدن المكتظة بالسكان والمناطق الفقيرة في الدول مرتفعة الكثافة بالمواطنين والتي لا توفر أنظمة إسكان كافية وفي متناول التكلفة، فبدون وجود منزل، لا يمكن للمصاب بالفيروس التاجي عزل نفسه في مكان آمن بعيدا عن المستشفيات.

- يسبب "كورونا" بالفعل انقساما وسط المجتمعات الحضرية نتيجة عدم المساواة وعدم وجود أساسيات معيشية إنسانية في بعض الدول، وبعد انتهاء الجائحة، ربما يتطلب الأمر جهدا أكبر من حكومات هذه الدول لعلاج المشكلة من خلال توفير مسكن لائق وخدمات أساسية ومعيشية كالرعاية الصحية.