قصيدة للشاعر أبي الفتح البستي

"أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم"


أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم * فطالما استعبد الإنسان إحسان

يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته * أتطلب الربح فيما فيه خسران

أقبل على النفس واستكمل فضائلها * فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

وإن أساء مسيء فليكن لك في * عروض زلته صفح وغفران

وكن على الدهر معوانا لذى أمل * يرجو نداك فإن الحر معوان

واشدد يديك بحبل الله معتصما * فإنه الركن إن خانتك أركان

من يتق الله يحمد في عواقبه * ويكفه شر من عزوا ومن هانوا

من استعان بغير الله في طلب * فإن ناصره عجز وخذلان

من كان للخير مناعا فليس له * على الحقيقة إخوان وأخدان

من جاد بالمال مال الناس قاطبة * إليه والمال للإنسان فتان

من سالم الناس يسلم من غوائلهم * وعاش وهو قرير العين جذلان

من كان للعقل سلطان عليه غدا * وما على نفسه للحرص سلطان

من مد طرفا لفرط الجهل نحو هدى*أغضى على الحق يوما وهو خزيان

من عاشر الناس لاقى منهم نصبا * لأن سوسهم بغى وعدوان

ومن يفتش عن الإخوان يقلهم * فجل إخوان هذا العصر خوان

من استشار صروف الدهر قام له * على حقيقة طبع الدهر برهان

من يزرع الشر يحصد في عواقبه * ندامة ولحصد الزرع إبان

من استنام إلى الأشرار نام وفي * قميصه منهم صل وثعبان

كن ريق البشر إن الحر همته * صحيفة وعليها البشر عنوان

ورافق الرفق في كل الأمور فلم * يندم رفيق ولم يذممه إنسان

ولا يغرنك حظ جره خرق * فالخرق هدم ورفق المرء بنيان

أحسن إذا كان إمكان ومقدرة*فلن يدوم على الإحسان إمكان

فالروض يزدان بالأنوار فاغمة* والحر بالعدل والإحسان يزدان

صن حر وجهك لا تهتك غلالته *فكل حر لحر الوجه صوان

فإن لقيت عدوا فألقه أبدا * والوجه بالبشر والإشراق غضان

دع التكاسل في الخيرات تطلبها * فليس يسعد بالخيرات كسلان

لا ظل للمرء يعرى من تقى ونهى * وإن أظلته أوراق وأفنان

والناس أعوان من والته دولته * وهم عليه إذا عادته أعوان

سحبان من غير مال باقل حصر * و باقل في ثراء المال سحبان

لا تودع السر وشاء يبوح به * فما رعى غنما في الدو سرحان

لا تحسب الناس طبعا واحدا فلهم * غرائز لست تحصيهن ألوان

ما كل ماء كصداء لو ارده * نعم ولا كل نبت فهو سعدان

لا تخدشن بمطل وجه عارفة * فالبر يخدشه مطل وليان

لا تستشر غير ندب حازم يقظ * قد استوى فيه إسرار وإعلان

فللتدابير فرسان إذا ركضوا * فيها أبروا كما للحرب فرسان

وللأمور مواقيت مقدرة * وكل أمر له حد وميزان

فلا تكن عجلا بالأمر تطلبه * فليس يحمد قبل النضج بحران

كفى من العيش ما قد سد من عوز * ففيه للحر إن حققت غنيان

وذو القناعة راض من معيشته * وصاحب الحرص إن أثرى فغضبان