ياليتـنـا مــن حجـنـا.. سالميـنـا



كل الأمثال العربية، وغير العربية، ما هي إلا خلاصة لتجربة ما مر بها هذا الشخص، أو حدث عاشه وأثر عليه وجعله ينطق به في لحظة ما، حتى يبدأ الناس يتداولونه إذا مر بهم نفس الحدث، ومن الأمثال التي يتكلم بها ومن طبيعة الشعراء في العالم، أن يحاولوا دائماً استعادة اللحظة
الحياتية وبالتالي الشعورية، والتي عبرها يتدفق الشعر أو الكلام من القلب قبل اللسان، لهذا يمكن استعادة المثل الشعبي وهو «بو طبيع ما يجوز عن طبعه»، وإذا لم يستطع الشاعر استعادة هذه اللحظة فإنه يختلقها أو يتوهمها أو يتصورها من أجل أن يعيش داخل الكلمة التي يقول، ويعبر عن الجملة التي ينطق.
وأحد الأقوال أو الأبيات الجميلة التي قرأت عنها في هذا الموضوع هو البيت الذي يقول:

ياليتـنـا مــن حجـنـا.. سالميـنـا
كان الذنوب اللي علينا خفيفـات
رحنـا نبـي نخفـف ذنــوبٍ عليـنـا
وجينا وعلينا كثرها عشر.. مرات


ويقول من نقل القصيدة إنها نابعة من موقف حصل للشاعر بصري الوضيحي الشمري، وقد كان بصـري من أجمل الرجال في صباه فأوغل في هواء البنات، ومضى به قطار العمر، وعندما كبر في السن «خذوه عياله للحج»، وأثناء الطواف جاء عند الحجر الأسود، وكان الحجر الأسود مزدحماً بالناس، رجالاً ونساءً، والرؤوس متقاربة بعضها ببعض، فتزاحم معهم بصري وابنه، وعندما اقترب إلى الحجر يريد تقبيله وجد بينه وبين الحجر خد فتاة جميلة كانت تريد تقبيل الحجر، وفي هذه اللحظة السريعة، انبهر بصري الوضيحي من لمعان خد البنت وبدل أن يقبل الحجر قبل وجنة البنت، فقالت له البنت: «حج يا شايب»
فخجل الوضيحي وقال لها «يا بعد حيي» «ازلقت الحبة ابيها بالحجر وصارت فيك»، فقال ابنه: «تاه العود تاه العود»، وحاول ولده أن يرقع الموضوع، فقال: «هذا شايب تايه مهذري».
فقــال بصري: «التايه اللي حججني وهو يعرف أن غبار السنين ما محا خضـار قلبي»،
وقال بعد هذه الحادثة:


التايـه اللـي جــاب.. بـصـري يقـنـه
جدد جروح.. العود والعـود قاضـي
جيـنـا نـحـج.. ونطـلـب الله جـنـه
جنة نعيمٍ.. يوم يبس.. اللحاظـي
ياليت.. كانت حبتـي.. فـي معنـه
يوم العيـون عـن الخوامـل غواضـي
يامـن يعاونـي علـى وصــف كـنـه
اشقح.. شقاح.. ولاهقٍ بالبياضي
لا ريحـتـه قـشـرا ولا هي مصـنـه
ريح النفل بمطمطمات.. الفياضي
ونـهـود.. للـثـوب الحـمـر شولعـنـه
حمرٍ ثمرهـنٍ واقفـاتٍ.. غضاضـي
والخـد.. ذابـوح.. القـلـوب المـرنـه
بـراق مـزنٍ لاعــج الـلـون.. يـاضـي
ياليت.. لو سني على وقم سنـه
بايـام مـا بينـي.. وبينـه.. بغاضـي
ايام جلـد.. الذيـب عنـدي.. محنـه
نصبح وزرق الريش لهـن انتفاضـي
وا جـرح قلبـي جــرح وادٍ.. وطـنـه
غـر المـزون اللـي وطـنـه وفـاضـي
والبيـض قبلـي محسـنٍٍ.. عذبنـه
ونمرٍ على وضحا جرا له عراضـي
والبيض.. كم مـن واحـدٍ يبسنـه
يبست شماليل العذوق النفاضـي
عـزي.. لمـن غـر.. الثنـايـا.. كـونـه
واركـن علـى كبـده كوايـا اعراضـي
شوفي بعينـي والخـدم.. يركبنـه
بنـت الشيـوخ مخدميـن الحياضـي
على اشقحٍ من زمل ابوها مظنه
ركبت عليـه اتشنطـحٍ باعتراضـي
بمشجرٍ من سـوق هجـرٍ.. مغنـه
علـى خياطـه نـاب الارداف راضــي
وين انت يالمشفي على طردهنـه
انا طويـت ارشـاي واقفيـت قاضـي
أحــدٍ يطـيـح بـنـار وأحـــدٍ.. بـجـنـه
وترى الحظيظ اللي له الرب راضي


ويقال إن بصري
«يوم رجع لأهله انشـدوه جماعته وشلون الحج معك يا بصري؟» فقال مقولته المشهورة:


ياليتـنـا مــن حجـنـا.. سالميـنـا
كان الذنوب اللي علينا خفيفـات
رحنـا نبـي نخفـف ذنــوبٍ عليـنـا
وجينا وعلينا كثرها عشر مرات