ببساطة ودون تعقيد.. كيف تحسب الدول ناتجها المحلي الإجمالي؟
الناتج المحلي الإجمالي (GDP) .. أشهر مصطلح تألفه عين كل متابع للشأن الاقتصادي في بلده. وهو ببساطة، عبارة عن القيمة الإجمالية لجميع السلع والخدمات المنتجة داخل الاقتصاد في فترة زمنية بعينها.
وفي الحقيقة يتمتع الناتج المحلي الإجمالي بأهمية اقتصادية غير عادية، حيث تعتمد الحكومات اعتماداً كبيراً على هذا الرقم في صياغة ورسم سياساتها، وتحدد أحياناً على أساسه الحجم المناسب للإنفاق العام. ورغم شهرته، إلا أن طرق حساب الناتج المحلي الإجمالي تبدو أمراً معقداً للغاية في الاقتصاد الحديث.
وقبل تناول كيفية حساب الدول لناتجها المحلي الإجمالي، ربما يكون من المناسب الرجوع خطوة للوراء والنظر في ظروف نشأة هذا المصطلح.
البداية من القرن السادس عشر
- بدأ الاقتصاديون البريطانيون والفرنسيون في تقدير إجمالي الدخل المكتسب في اقتصاداتهم في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، وذلك بغرض مساعدة القيادة السياسية على إيجاد أفضل الطرق لزيادة الإيرادات الضريبية.
- لكن التقديرات المحسوبة بدقة لم تبدأ في الانتظام إلا مع أوائل القرن العشرين، عندما شجعت التقنيات الإحصائية الحديثة ومتطلبات الحرب الحكومات على إيلاء قدر أكبر من الاهتمام بأساسيات المحاسبة على النطاق الوطني.
- في ثلاثينيات القرن الماضي، بدأت تتوافر تقديرات سنوية للناتج المحلي الإجمالي في معظم الاقتصادات الغنية، وذلك بفضل تداعيات الكساد. في الولايات المتحدة ينسب الفضل إلى مهاجر روسي يدعى "سيمون كوزنتس" في إعداد أول تقدير حقيقي للناتج المحلي للبلاد، والذي تم تقديمه إلى الكونجرس عام 1934.
- في ذلك الوقت، عقدت الحكومات العزم على إدارة الصعود والهبوط في أداء الاقتصاد، وللقيام بذلك احتاجت لبيانات منتظمة حول حجمه. فيما أدى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وما ترتب عليها من مطالب اقتصادية، إلى دفع مهمة قياس حجم الاقتصاد إلى أيدي الحكومة. ومنذ ذلك الحين وتقوم المكاتب الإحصائية الحكومية بإعداد تقديرات الناتج المحلي الإجمالي.
- يمكن قياس الناتج المحلي الإجمالي بـ3 طرق (متكافئة نظرياً): وهي طريقة القيمة المضافة، وطريقة الإنفاق وأخيراً طريقة الدخل.
- بعض الاقتصادات بما في ذلك بريطانيا، تجمع بين الطرق الثلاث حين تقوم بتقدير ناتجها المحلي الإجمالي، في حين تقوم دول أخرى، مثل الولايات المتحدة بإعداد تقديرات مختلفة لناتجها المحلي الإجمالي بناء على كل طريقة على حِدة.
- تُجمع البيانات التي يتم على أساسها حساب الناتج المحلي الإجمالي من خلال الدراسات الاستقصائية التي تشمل المصنعين والبنائين وتجار التجزئة والمؤسسات التجارية والمالية، وتستخدم هذه البيانات في تقدير مكونات الناتج المحلي الإجمالي مثل إجمالي الاستثمار وصافي الصادرات.
- بسبب تطلع السوق للحصول على هذه البيانات في أقصر وقت، يتم عادة إصدار تقديرات أولية حول الناتج المحلي الإجمالي، يتم تنقيحها لاحقاً بعد حصول مكتب الإحصاءات على المزيد من البيانات، والتي يُصدرعلى أساسها قراءته النهائية.
- بالنسبة لاستخداماته، لا يعتبر الناتج المحلي الإجمالي مؤشراً جيداً على الرفاهية الاقتصادية، حيث إنه لا يدل بالضرورة على المستوى المعيشي للأفراد، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد إذا جاز الوصف يعتبر أفضل من أجل فهم كيفية تطور الدخل الفردي.
- يعتقد البعض أن الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن يكون في كثير من الأحيان مؤشراً مضللاً، وذلك لأن الأموال التي يتم إنفاقها على الأنشطة التي تولد التلوث أو على العلاجات الطبية غير المجدية يتم حسابها داخله، على الرغم من أنها لا تعكس أي تحسن في رفاهية المواطن.
الطرق الثلاث لحسابه:
- كما أشرنا سابقاً، توجد 3 طرق لحساب الناتج المحلي، هي: الإنفاق والقيمة المضافة والدخل.
- لنفترض أن الاقتصاد يتكون من قطاعين فقط هما: الزراعة والمخابز. فالقطاع الأول يقوم بإنتاج الذرة ويبيع جزءًا منه مباشرة إلى الأسر بينما يقوم ببيع الجزء الآخر لصالح المخابز. في المقابل تنتج المخابز الخبز باستخدام الذرة قبل أن تبيعه إلى الأسر.
- لنحاول الآن حساب الناتج المحلي الإجمالي بالطرق الثلاث:
- (1) طريقة الإنفاق: في هذه الطريقة يتم التركيز على أنماط استهلاك الأسر والشركات والحكومة، ويتم حساب الناتج المحلي الإجمالي من خلال المعادلة التالية:
GDP = C + I + G + NX
- (C) مجموع الاستهلاك الشخصي: يشمل ما تنفقه الأسر على السلع والخدمات.
- (I) إنفاق الشركات أي الاستثمار: مجموع ما تنفقه الشركات أو الحكومة على شراء الآلات والمعدات والبرمجيات وما إلى ذلك يندرج تحت هذا البند.
- (G) الإنفاق الحكومي: تحت هذا التصنيف تقع كل المدفوعات التي تقوم بها الحكومة للإنفاق على الخدمات العامة.
- (NX) صافي الصادرات: ببساطة هذا البند عبارة عن إجمالي الصادرات يُطرح منه إجمالي الواردات.
- ملحوظة: في هذا النهج، ما نركز عليه هو التالي: من الذي يشتري السلعة أو الخدمة، ولأي غرض؟
- طريقة الحساب: أنفقت الأسر 90 ريالا على الذرة و300 ريال على الخبز، بينما لا يوجد في هذا المثال البسيط استثمار أو إنفاق حكومي أو قطاع خارجي.
- الناتج المحلي الإجمالي يساوي: 300 +90= 390 ريالا.
- (2) طريقة القيمة المضافة: في هذه الطريقة نقوم بقياس القيمة المضافة في مختلف مراحل الإنتاج. ومجموعها في كل مراحل الإنتاج لجميع السلع يساوي الناتج المحلي الإجمالي.
- في هذه الطريقة لا نهتم بطبيعة من يشتري أو غرضه من الشراء.
- طريقة الحساب: باع القطاع الزراعي كميات من الذرة بقيمة 200 ريال. ومن المفترض أنه استخدم المياه والبذور في عملية الزراعة ولكن مجدداً بسبب بساطة هذا المثال، سنفترض أن مدخلات العملية الزراعية مجانية، وهو ما يعني أن القطاع الزراعي خلق قيمة مضافة قدرها 200 ريال.
- أما بالنسبة لقطاع المخابز، فقد باع خبزاً بقيمة 300 ريال، واستخدم كميات من الذرة قيمتها 110 ريالات لإنتاج هذا الخبز، وهو ما يعني أن المخابز خلقت قيمة مضافة قدرها 300 – 110 = 190 ريالا.
- على هذا الأساس، تصبح قيمة الناتج المحلي الإجمالي = القيمة المضافة من قبل القطاع الزراعي + القيمة المضافة من قبل قطاع المخابز = 200 + 190 = 390 ريالا.
- (3) طريقة الدخل: ببساطة نقوم بجمع دخل العمال وأصحاب الأعمال والحكومة. ففي ظل أن كل عملية بيع تعتبر مصدراً للدخل بالنسبة للبائع، فإن القيمة السوقية للإنتاج الوطني تساوي قيمة دخل البائعين بالإضافة إلى الضرائب المدفوعة للحكومة.
- أيضاً في هذا النهج، لا يهم من الذي يشتري السلعة أو غرضه من شرائها.
- طريقة الحساب:
- الأجور المدفوعة من قبل القطاع الزراعي: 20 ريالا
- أرباح القطاع الزراعي بعد احتساب الضرائب: ("10+20"-200) = 170 ريالا
- الأجور المدفوعة من قبل قطاع المخابز: 50 ريالا
- أرباح المخابز بعد احتساب الضرائب: ("25+50+110"-300) = 115 ريالا
- العائدات الضريبية للحكومة: 10 + 25 = 35 ريالا
- الناتج المحلي الإجمالي = 20 + 50 + 170 + 115 + 35 = 390 ريالا
وبهذا أعطت الطرق الثلاث نفس النتيجة.
مواقع النشر (المفضلة)