وقفات مع قصة كعب بن مالك رضي الله عنه

زكَّى الله تعالى الصادقين في توبتهم، ودعا المؤمنين إلى أن يكونوا معهم، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]
وسجل لنا التاريخ في صفحاته أروع المواقف، ظهرت فيها معاني الصدق بكل تجلياتها، والإخلاص في أبهى صوره،
وهو ما تمثل في قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، ثم تاب الله عليهم، وكانت هذه الغزوة تعرف بغزوة العسرة،
لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعيشون في ذلك الوقت في أشد الظروف وأصعبها.

بقيت قصة هؤلاء الثلاثة منارة شامخة عبر العصور، وأصبحت توبتهم رمزًا خلدها القرآن الكريم، وستبقى آياتها تتلى إلى يوم الدين، قال تعالى:
{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[التوبة:118].

أحداث هذه القصة يرويها أحد الثلاثة الذين تخلفوا، أخرجها الإمام مسلم في صحيحه، ضمن حديث طويل -يصعب الوقوف عليه في هذا المقامـ من حديث كعب بن مالك،
وهو أدرى الناس بها، ومما جاء فيها، أنه قال:
"لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدًا تخلف عنه"؛

فهو بهذا يقرر رضي الله عنه أنه لم يتخلف إلا عن غزوة بدر وعن هذه الغزوة، ويقول:
"ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها"؛

وهذا يعني أنه رضي الله عنه كان من الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة، وأنه كان يفتخر بموقفه ذلك، ويرى أنه لا يقل عن شهوده لغزوة بدر.



يتبـــــــع