يعانون من أمراض متعددة
يقول الطاهر بنجلون "تحولت أمي منذ مرضها إلى كائن نحيل صغير ذي ذاكرة مترنحة. فهي تنادي أفراد عائلتها الذين ماتوا من زمن بعيد. تكلمهم. يدهشها أن والدتها لا تزورها، لكنها تثني على أخيها الصغير لأنه، كما تقول، يحمل إليها هدايا.
يسهرون معها وهي في فراشها. أتجنب إزعاجهم مثلما أحرص على عدم مضايقتها. خادمتها كلثوم تقول متأوهة: تظن أنها في فاس في عام ولادتك!".
هذا وصف صادق لشخص مصاب بمرض الزهايمر، يصف الابن بها والدته، ويضيف الكاتب: "تنكفئ أمي إلى طفولتي. تتقهقر ذاكرتها. تتبعثر فوق الأرض المبللة.. خارج الزمن تعيش منسحبة من الواقع.
تنفعل لأمور قديمة تتوارد إلى ذهنها. تسألني كل ربع ساعة: كم طفلاً عندي؟. وفي كل مرة أجيبها الجواب نفسه. هذا يغيظ كلثوم التي تقول إنها لم تعد تطيق سماع السؤال نفسه والجواب نفسه".
ثم يصف الكاتب والدته عندما تكون في حالة نفسية جيدة وتعي ما يحدث حولها فتقول: "أنا لست حمقاء. كلثوم تعتقد أنني فتاة صغيرة. توبخني. تهددني. لكنني أعرف أن مداومتي على الأدوية لها أثر يوهمني بأنها خبيثة. إنها بالعكس طيبة.
كل ما في الأمر أن تفرغها للعناية بي بدأ يزعجها ويتعبها. فهي التي تنظفني كل صباح. تعرف ياولدي أنها هي التي تجمع (برازي). وهو ما لا أستطيع أن أطلب منك أو من أخيك فعله. لذلك، لا حيلة لي سوى أن أغمض عيني عن كثير من ردود أفعالها...".
يستعرض بعد ذلك الكاتب وضع والدته بعد أصابتها بمرض الزهايمر: "كيف أنسى أن أمي هي الآن بين يدي امرأة أصبحت مع مرور الوقت قاسية بذيئة خشنة؟ لماذا تستعيد أمي طفولتي تحت نظرات هذه المرأة الفظة؟".
ثم يتحدث عن بعض الهلاوس التي تصيب الأشخاص الذين يعانون من الزهايمر: "تقول إنها رأت رجلاً وامرأة في ردهة مدخل الدار لعلهما جاءا ل (شر اء) دارنا القديمة بفاس.
تحذرني من تخفيض الثمن: الوقت صعب والحرب لم تنته بعد. ثم إن والدك لن يرضيه أن تباع الدار بثمن بخس. سمعت الرجل يقول للمرأة إنها صفقة مربحة. علينا إذن أن نغتنم الفرصة. كأنهما يعيشان معنا ويعرفان إننا نتخبط في وضعية مالية صعبة!
ليس الرجل من فاس. لهجته جبلية. رجال فاس أكثر أناقة. وفي كل الأحوال، لن تبيع الدار".
يتبــــــــــــــــــع
مواقع النشر (المفضلة)