تابع


طفرة المشتريات عبر الإنترنتطبعا بإمكانك أن تستنتج لماذا إازدهرت شركات التجارة الإلكترونية مثل "أمازون" وكانت لها حاويات كثيرة فى الموانئ، لأن الناس جلست فى المنازل بسبب قيود الجائحة فاضطرت إلى تلبية حاجياتها عبر الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية، مما أدى إلى ارتفاع في حجم البضائع عن المعتاد، حيث إن جزءًا من الإنفاق كان يذهب إلى **** الحاجيات من المحال والمنافذ الواقعية، هذه النسبة توجهت للتسوق الإلكتروني.وبخلاف العرض والطلب، جانب آخر من المشكلة يُعقد الأمور أكثر، وهو عدم وفرة العدد الكافي من محترفي اللوجستيات والنقل للوظائف الشاغرة في نفس التخصص حول العالم، الشركات تواجه حالياً أزمة في تعيين الأشخاص الأكفاء لتلبية الطلب المتراكم عليها، تكدس السفن والحاويات التي بداخلها بضائعهم في الموانئ دفع الشركات لعرض رواتب مجزية تتراوح بين 300 ألف و400 ألف دولار سنوياً في سوق مثل الولايات المتحدة.كل هذه التكاليف تضغط على ميزانيات الشركات التى تتحمل جزءاً لا بأس به من هذه الموجة التضخمية لعلمها أن المستهلك لن يشتري السلعة حال تجاوزت خطاً أحمر في السعر، لذلك تتنازل الشركات عن جزء من أرباحها وحتى تتحول للخسارة الصافية على أمل انتهاء الأزمة قريباً وتعويض ما تكبدته، لكن الجزء المُمرر إلى المستهلك كان كفيلاً بإطلاق ****ان للتضخم في كل العالم.مؤشر الغذاء العالمي تُصدره منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو)، وفي شهر سبتمبر صعد المؤشر لأعلى مستوياته في 10 سنوات ودفع هذا الصعود مجموعتي زيوت الطعام والحبوب، المؤشر العالمي يتكون من سلة سلع تنقسم إلى خمس مجموعات، كل منها ناله شيء من الاضطرابات العالمية كما يلي:1- مجموعة الحبوب
مجموعة الحبوب قفزت على أساس سنوي بمقدار 27%، بسبب إنخفاض الإنتاج فى روسيا وإضطرابات الموانئ في الولايات المتحدة وبخاصة القمح.
2 - مجموعة الزيوت والدهون
أسعارها قفزت على أساس سنوي بمقدار 60%، بسبب إستمرار نقص العمالة الماهرة فى ماليزيا أكبر منتجي الزيوت.
3 - مجموعة الألبانارتفعت الأسعارعلى أساس سنوي بمقدار 15%، بسبب إنخفاض موسمي فى إنتاج الألبان يُضاف إليه أزمة نقص مساحات التخزين فى أوروبا وقدرات تصديرية تحت ضغوط عنيفة مع طلب مرتفع.4 - مجموعة اللحومارتفعت الأسعار على أساس سنوي بمقدار 26%، بسبب إنخفاض المعروض من الماشية الحية أمام طلب كبير خاصة فى أمريكا اللاتينية (البرازيل تحديداً).5 - مجموعة السكر
قفزت الأسعارعلى أساس سنوي بمقدار 53%، بسبب إنخفاض إنتاجية المحاصيل السكرية فى البرازيل أكبر مُصدر للسكر فى العالم نتيجة التغيرات الجوية المتقلبة.
وجاءت أزمة سلاسل الإمداد لتكون بمثابة صب للزيت على الحريق المشتعل أصلاً فى كافة مجموعات السلع والغذاء حول العالم كما تُظهر إحصاءات منظمة "الفاو"، ومع إستمرار إرتفاع سعر النفط إلى مستويات قياسية جديدة بالتزامن مع حركة مماثلة لأسعار عقود الغاز الطبيعي والفحم، أدى ذلك فى المحصلة إلى تضاعف الأزمة وحولها إلى نطاق أوسع وعقد من إمكانية إيجاد حل على الأجل القصير.

إذن الخلاصة أن الأزمة معقدة وعميقة وسوف تحتاج شهوراً طويلة لتفكيكها تدريجياً وحلها، وهو ما يستوجب تعزيز أطر التعاون بين الحكومات وليس فقط القطاع الخاص، لكن ومع تصاعد حالة التوتر بين القوى الدولية مثل الصين والولايات المتحدة أو الصين واليابان أو روسيا وأوروبا، فإن مسألة التعاون غير مرجحة على الأقل في المدى القصير.وبالتالي ستكون الشركات أمام تحدً كبير: هل تستمر فى تمرير الزيادة للمستهلك النهائي أم تضحي بحصتها فى الأرباح على أمل التعويض مستقبلاً حين يتوازن السوق؟، الإجابة على هذا السؤال صعبة لأنه لا أحد يستطيع أن يعرف على وجه الدقة متى ستعود الأمور لطبيعتها لكن المدة الأكثر ترجيحاً أنه لن يحدث قبل مرور عام على الأقل.ومن ناحية أخرى تضغط الموجات التضخمية على البنوك المركزية لوقف السياسة النقدية التيسيرية التى أطلقتها مع الجائحة، في البداية كان صانع السياسة النقدية حول العالم وخاصة فى الدول الكبرى يتوقع أن يكون التضخم مؤقتاً لكنه من الواضح استمراره لفترة أطول، وهو ما يتطلب مراجعة لسياسات التحفيز والدعم.وعند تدقيق النظر وتتبع أثر شيكات الدعم والأموال التى تم ضخها فى الإقتصاد لمساعدة الشركات المتضررة والأسر التى عانت من الجائحة، وأين تم إنفاق هذه الأموال، تجد أن معظمها قد إبتلعته تطبيقات التداول على الجوالات الذكية المتخصصة فى أسواق الأسهم والعملات المشفرة، هذه الأسواق تم تغذية نموها الشهور الماضية بسبب إرتفاع الطلب عليها وفورة الإقبال على **** هذه الأصول.وبالتالي من المرجح أن يكون لوقف برامج التحفيز أثراً إيجابياً يقوم بتهدئة التضخم الثائر ويُخفض من الطلب الكبير فتتراجع تدريجياً أزمة سلاسل الإمداد والنقل العالمية، لكن ومع ذلك فإن حدوث هذا الإحتمال هو أمر غير يقيني وسوف تحسمه الأيام القادمة.المصادر: أرقام – بلومبرغ – منظمة الأغذية والزراعة العالمية – وول ستريت جورنال – الجارديان.