في ظل الجلبة الحاصلة حول التحول الأخضر في مجال الطاقة وتقنيات التوليد الصديقة للبيئة، كانت سياسة التخلي عن أسهم شركات الطاقة التقليدية وخاصة النفط، الاتجاه التقليدي في السنوات القليلة الماضية، والتي يعتقد البعض أنها ستسود الأسواق على المدى الطويل.المتابع المتحمس للوقود الأحفوري، قد يصيبه الإحباط عندما يقرأ ****وان الذي تصدر الصحف العالمية في يناير الماضي، والذي يقول إن صندوق الثروة السيادي النرويجي (أكبر صندوق سيادي في العالم) تخلص من محفظة لأسهم النفط بقيمة 6 مليارات دولار، بعد تسجيل خسائر كبيرة. فهل سمة "القفز عن السفينة" هي ما يبدو عليه السوق الآن؟ في الواقع مثل أن هناك من يسقط الوقود الأحفوري من حسابات المستقبل فهناك من يراه جزءًا لا يتجزأ من الفترة طويلة المدى (للغاية) المقبلة، خاصة في ظل تطور تقنيات تجعله أكثر نظافة مثل احتجاز الكربون.الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية "أمين الناصر" قال خلال مشاركته في منتدى تنمية الصين، هذا الأسبوع، إن الشركة تضع الصين على رأس أولوياتها فيما يتعلق بأمن الطاقة على مدى "الخمسين عامًا" المقبلة و"ما بعدها"، مشيرًا إلى نقص بدائل النفط.فيما تقول "آي إتش إس ماركيت" للأبحاث، إن الاقتصادات الناشئة ستواصل الاعتماد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، وحتى لو أصبحت الألواح الشمسية مجانية، فهناك مكونات أخرى تدخل في بناء المزارع الشمسية، الأمر الذي يجعلها مكلفة لعديد من الدول.وبعيدًا عن هذه الجبهة من المتحمسين للوقود الأحفوري، فبالنظر إلى مخاوف الرافضين لهذا النوع من الطاقة وحتى مع اعتبار أن التحول في مزيج الطاقة سيحدث قريبًا نسبيًا، فإن التخلي عن أسهم هذه الشركات لن يكون القرار الحكيم للمستثمرين، وبخلاف ذلك، فإن تبني سياسة "الإمساك" هو الأكثر صحة للمستثمر وللبيئة وللشركات.نظرة على التفاصيل- بالنظر إلى خطوة الصندوق النرويجي، فإنها شملت محفظته الكاملة من شركات التنقيب والإنتاج، وجاءت بعد تسجيل الصندوق خسائر قدرها 10 مليارات دولار في حيازاته من أعمال النفط العام الماضي. حيث قدر إجمالي قيمة هذه الحيازات بنحو 40 مليار دولار.- لكن في الحقيقة، جاءت الخطوة أيضًا بالتزامن مع تسجيل الصندوق عائدات إجمالية بلغت 123 مليار دولار في عام 2020، وهي أحد أفضل سنواته على الإطلاق، رغم الضغوط (الطبيعية بفعل الأزمة) التي تعرض لها قطاع النفط.- بدأ صندوق الثروة النرويجي، الابتعاد عن النفط والغاز منذ 3 سنوات، بهدف تنويع أعماله بعيدًا عن الصناعة التي شكلت عصب اقتصاد البلاد طويلًا خوفًا من التعرض لمخاطر مالية، وهي خطوة صحية لا شك، وتبدو أكثر سهولة مع تحقيقه نتائج قوية في قطاعات أخرى.- مع ذلك، لم يُفضِ ذلك إلى تخلي الصندوق عن أسهم النفط بشكل كامل، ولا يزال يحتفظ باستثمارت كبيرة تشمل شركات نفط متكاملة مثل "رويال داتش شل"، والتي تأتي في المرتبة السابعة ضمن أكبر حيازاته في بداية العام الماضي.فكر مختلف- بالنسبة لأولئك الذين يفكرون في بيع حيازاتهم من أسهم الوقود الأحفوري والتعدين لآثارها البيئية ينبغي طرح سؤال مهم عليهم هو "ما الذي يحققه بيع أسهم الشركات؟" بالتأكيد هذا يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للشركات التي ترغب في جمع تمويل جديد عبر أسواق الأسهم.- إذا كان الرفض المعمم يجعل البنوك حذرة، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة تكلفة الديون أيضًا، لكن بالنسبة للشركات التي لا تأبه بالفعل بالسيولة النقدية، فإن ذلك لا يحدث فرقًا على الإطلاق، وبالتأكيد لن يحدث فرقًا في إنتاج النفط والغاز الحالي.- الأكثر، أنه عندما يبيع المستثمر الأسهم، يشتريها شخص آخر ويستمر العمل وكأن شيئًا لم يكن. التحول إلى طاقة أنظف يحدث بالفعل لكن الأمر سيستغرق عقودا عدة، وفي غضون ذلك، يحتاج العالم إلى مصادر تقليدية للطاقة.- الصراخ والغضب في وجه شركات النفط لا يغير الأمر أو يسرّعه، أو كما قال وزير التقاعد البريطاني "جاي أوبرمان": مجرد بيع أسهمك التي تجعلك تبدو سيئًا لارتباطها بالوقود الأحفوري هو "غسيل أخضر عكسي" لأنه لا يحل المشكلة في الواقع.- يشير مصطلح "الغسيل الأخضر" أو "Greenwashing" (على غرار التبييض- Whitewashing) إلى شكل مخادع من التسويق، حيث تدعي الشركات أن منتجاتها وسياساتها وأهدافها صديقة للبيئة، وبالتالي تلحق أضرارًا أقل بالطبيعة، في حين أن الهدف الأساسي هو زيادة الأرباح فقط.- رغم ضغوط المجموعات البيئية، دعا "أوبرمان" صناديق التقاعد ألا تتخلص من أصول شركات الوقود الأحفوري، وقال إن الصناديق التي تدير مدخرات التقاعد لملايين المستثمرين ستعيق الجهود الأوسع لمعالجة تغير المناخ إذا تخلصت من أسهم الشركات ذات الأثر الكربوني المرتفع.الاستراتيجية البديلة - التخلي عن شركات الوقود الأحفوري، يعني أن المستثمرين يتخلون بالأساس عن جهود التحول إلى الطاقة الخضراء، وفرصة الاستفادة من هذا التحول، وذلك أحد الأسباب التي جعلت مديري الصناديق التي تراعي الحكومة البيئية والاجتماعية، يستبعدون هذه السياسة ويقولون إنها لا تفلح.- يقول "مارك ريجير"، نائب رئيس شركة "Praxis Mutual Funds": هناك أسطورة أساسية في حركة سحب الاستثمارات مفادها أنه عندما تقوم بسحب الاستثمار، فإنك تلحق الضرر بشكل أساسي بهذه الشركة، وهذه ليست الطريقة التي تعمل بها الأسواق، فعندما نبيع، يشتري شخص آخر.- أحد النجاحات الأخيرة التي حققتها "براكسيس" كانت مع "NiSource"، وهي شركة غاز طبيعي وكهرباء تبلغ قيمتها السوقية 8.6 مليار دولار، والتي استطاعت تسريع وتيرة التحول للتخلص من الفحم ووضع استراتيجيات لتبني الطاقة المتجددة في المستقبل القريب.- وفقًا لـ"براكسيس" فإن التخلص من أسهم "ناي سورس" ما كان ليحقق أيًا من الأهداف المشار إليها، وربما ما كان ليسمح لها بتحقيق "الانتقال العادل"، الذي يقضي بمراعاة سبل عيش الناس في عالم الطاقة النظيفة، وعلى رأس ذلك توفير فرص عمل للعاملين في وحدات الفحم وتقديم برامج التقاعد اللائقة.- في ظل قلة البدائل في الوقت الراهن، وفشل إستراتيجية "القفز عن السفينة بهدف التظاهر بخدمة البيئة"، تقتضي الحكمة الجديدة بالاحتفاظ بأسهم شركات الوقود الأحفوري، فهي شركات طاقة في النهاية تسعى للنجاة والتحول الإيجابي المربح.- على المستثمرين أيضًا أن ينشطوا في اجتماعات المساهمين حتى يكونوا محور هذا التحول وعامل الضغط الحقيقي من الداخل، مع التركيز ربما على أوجه الخلل مثل معالجة تسربات الميثان والتخلي عن المشاريع المكلفة مثل أعمال القطب الشمالي وتبني التقنيات التي تجعل الأعمال أكثر نظافة.المصادر: أرقام- فايننشال تايمز- ***** ووتش- بلومبيرغ- إنفستوبيديا
مواقع النشر (المفضلة)