طلبات الاكتتاب في سندات السعودية تتخطى 54 مليار دولار .. الأكبر بين الأسواق الناشئة
تصدرت السعودية دول الأسواق الناشئة بجمع أكبر طلبات اكتتاب في سنداتها الدولارية، وذلك بمسافة كبيرة عن الطلبات التي تلقتها الدول الأخرى بالأسواق الناشئة التي طرقت باب أسواق الدخل الثابت لهذا العام، ما يؤكد دور المملكة كمرجع أساسي وملاذ آمن للمنطقة، وفقا لما أكده لـ"الاقتصادية" مصدر قريب من الإصدار.
وبرهنت السعودية وهي تغلق إصدارها الثاني لهذا العام من السندات الدولارية بحجم إصدار سبعة مليارات دولار، صبيحة الخميس على ثقة المستثمرين الدوليين بمتانة اقتصادها وقدرة أكبر اقتصاديات المنطقة وإحدى دول مجموعة العشرين، على تجاوز تبعات الجائحة، رغم ترنح السوق النفطية تحت مطارق أزمة فيروس كورونا.
وأظهر رصد وحدة التقارير الاقتصادية أن طلبات الشراء، التي تلقتها السعودية تخطت 54 مليار دولار بتغطية أكثر من سبع مرات من المبلغ المطلوب، وهو ما يعد الأعلى على الإطلاق لأي دول شرق أوسطية لهذا العام، إذ على سبيل المثال تلقت كل من أبوظبي وقطر طلبات اكتتاب بسنداتهم لامست 45 مليار دولار.
وبحسب البيانات التاريخية للصحيفة، فإن إجمالي حجم الطلبات على الإصدار يعد ثاني أضخم طلبات شراء تلقتها السعودية في تاريخها من قبل المستثمرين الدوليين.
ولا تزال باكورة إصدارات المملكة في أكتوبر 2016 تحظى بالمرتبة الأولى بعدما وصل إجمالي الطلبات بين 67 و69 مليار دولار متبوعا بالإصدار الثاني لهذا العام، ثم إصدار 2017 الذي جمع إجمالي طلبات اكتتاب 40 مليار دولار.
إلى ذلك، أظهر رصد للصحيفة ارتفاع إجمالي الإصدارات الدولارية بشقيها من السندات والصكوك 16.6 في المائة، بسبب الطرح الحديث أي بارتفاع من 18 إصدارا إلى 21 إصدارا.
وسعرت السندات عند 260 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية لشريحة الأعوام الخمسة ونصف بقيمة 2.5 مليار دولار، وعند 270 نقطة أساس لإصدار الأعوام العشرة ونصف بقيمة 1.5 مليار دولار و4.55 في المائة للشريحة البالغ أجلها 40 عاما بقيمة ثلاثة مليارات دولار، علما أن السندات لأجل 40 عاما تعد الأطول أجلا بالدولار لمقترض خليجي على الإطلاق.
وبذلك ينجح المركز الوطني لإدارة الدين في تمديد منحى عائد المملكة للسندات المقومة بالدولار عبر إصدار أول سندات بمدة استحقاق 40 عاما.
وأسهم التعافي المتواصل لأسعار أدوات الدين السعودية المدرجة في البورصات العالمية والمقترن بوجود نافذة إصدار موائمة في هذه الأوقات المضطربة بالأسواق العالمية في دفع العاملين بـ"المركز الوطني لإدارة الدين" في وزارة المالية في اتخاذ قرار الإصدار السريع، الذي يتم إغلاقه تقليديا في أقل من 20 ساعة.
ويأتي الإصدار السعودي في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية انخفاضات حادة بأسعار الفائدة والمقترنة كذلك بهبوط مؤشرات القياس الدولية، التي يسترشد بها مع التسعير، حيث كان الإصدار الدولاري الأول للسعودية هذا العام في يناير بقيمة خمسة مليارات دولار.
وكانت الاقتصادية قد ذكرت في تحليلها البارحة عن الإصدار، أنه ينتظر أن يكون هناك توجه استثماري واضح تجاه شريحة الـ 40 عاما، وهذا ما حصل.
وأشارت كذلك إلى أنه من المنتظر أن يحظى الإصدار السعودي بطلب قوي من المستثمرين بالأسواق الناشئة بحكم متانة التصنيف الائتماني وكون الإصدار يتزامن مع تراكم سيولة المستثمرين بغرض توظيفها مع إصدارات الدخل الثابت.
حجم الطلب يفوق المعروض
ويقدر مورجان ستانلي أن إجمالي حجم طلبات المستثمرين على أدوات الدين الدولارية لهذا العام يصل إلى 10.5 مليار دولار بخلاف الطلبات الأخرى من شركات التأمين الأجنبية والمستثمرين المحليين من السعودية.
ومن المرجح أن تقلل شركات التأمين الآسيوية من حجم انكشافاتها على أدوات الدين الصادرة من بعض الحكومات الآسيوية لمصلحة السعودية، التي تتميز بجاذبية العائد ومتانة التصنيف الائتماني.
أهمية المؤشرات
وانضمت السعودية بنهاية سبتمبر من 2019 لمؤشرات جي بي مورجان لسندات الأسواق الناشئة، التي كان انضمامها لها تدريجيا على مدى أول تسعة أشهر من 2019. وبذلك أصبحت الديون السيادية للمملكة جزءا لا يتجزأ من محافظ شركات إدارة الأصول العالمية سواء الخاملة منها أو النشطة.
وأهم تلك المؤشرات هو مؤشر سندات الأسواق الناشئة العالمي المتنوع (EMBI GD ) الذي تندرج تحته أدوات دين بقيمة اسمية تصل لأكثر من 300.2 مليار دولار، الذي يصل فيه وزن أدوات الدين السعودية إلى 3.30 في المائة، وتحتل فيه المملكة المرتبة الخامسة من بين 72 دولة من الأسواق الصاعدة.
وبحسب البيانات غير المحدثة في أوائل 2019، تصل حصة أدوات الدين السيادية للمملكة بين 3.30 في المائة و8.66 في المائة من إجمالي أوزان الدول الأخرى.
في حين تصل حصة منطقة الخليج في مؤشرات السندات الأربعة، وفقا لحسابات الصحيفة، ما بين 13.88 في المائة و17.94 في المائة.
ويتضح من الوثيقة الثقل الواضح للسعودية بمؤشرات الأسواق الناشئة لأدوات الدخل الثابت، حيث تصدرت السعودية بين رابع إلى خامس أضخم جهة إصدار تم تضمين أدوات الدين الصادرة منها ضمن المؤشرات الأربعة، التي تتبع أدوات الدخل الثابت القادمة من الأسواق الصاعدة، لتأتي بعدها روسيا في بعض الحالات، وتصدر المراتب الثلاثة الأولى المكسيك والصين وإندونيسيا.
ومن المرجح أن أوزان أدوات الدين للسعودية والخليج أن تكون أعلى من تلك الأرقام، وذلك لكون دول المنطقة إضافة للشركات الحكومية المؤهلة للانضمام لتلك المؤشرات قد أصدرت أدوات دين جديدة منذ أوائل 2019.
وتعذر الحصول على آخر تحديد صادر من الجهة المشغلة لمؤشرات جي بي مورجان، وذلك لكون تلك التحديثات توجها لمديري الأصول، الذين يستخدمون مؤشراتها.
الانضمام لم يكن سهلا
تاريخيا، دائما ما عانت أدوات الدخل الثابت عدم حصولها على التقدير اللازم كأصول متميزة عن غيرها من الأسواق الصاعدة، ونتج عن ذلك عدم وجود نوعية الأصول تلك بمعظم محافظ شركات إدارة الأصول المتخصصة بالاستثمار في الأسواق الناشئة.
إلا أن الأمر برمته بدأ في التغير تدريجيا مع نهاية يناير 2019 عندما شرعت مؤشرات جي بي مورجان بإضافة الديون الخليجية إلى مؤشراتها الرئيسة، التي تتبع أداءها الصناديق المتخصصة بأدوات الدخل الثابت.
وعملية الانضمام لهذا المؤشر قد تأخرت بشكل كبير، وذلك بسبب وجود معيار صارم يفيد بأن دول الخليج تقع في مرتبة عالية جدا على مؤشر البنك الدولي لتصنيف الدخول المرتفعة تتجاوز المعايير العادية، التي تؤهل للإدراج في مؤشر الأسواق الناشئة (وهو أن يكون دخل الفرد أقل من 20 ألف دولار)، فدخل الفرد في الإمارات يصل إلى 40 ألف دولار، مقارنة بعشرة آلاف دولار في البرازيل.
بيد أنه تم إيجاد منهجية أخرى تسمح لدول الخليج أن تكون ضمن تصنيف الأسواق الناشئة مثل "نسب تعادل القوة الشرائية" التي يستخدمها صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للمقارنة بين ثروات مختلف الدول.
وهذا المؤشر يمكن استخدامه في بعض الأحيان لمقارنة مستويات المعيشة بين بلدين أو أكثر، وهذا المعيار يستخدم أيضاً لقياس تكلفة شراء سلة سلع مماثلة لعملات دول أخرى بالأسواق الناشئة.
وبالنسبة للصكوك، فإن الأنظمة الداخلية للمؤشرات تسمح باختيار الصكوك الصادرة من جهات الإصدار المؤهلة، وذلك شريطة أن تكون الصكوك حاصلة على تصنيف ائتماني من إحدى وكالات التصنيف الائتماني العالمية وتاريخيا تم إضافة الصكوك للمؤشر منذ أواخر 2016.
زيادة قاعدة المستثمرين
وكشفت وثيقة، اطلعت عليها الاقتصادية، صادرة من "المركز الوطني لإدارة الدين" أن السعودية تمكنت في العام الماضي من زيادة قاعدة المستثمرين الدوليين 10 في المائة، في خطوه جوهرية ينتظر لها أن تنعكس إيجابيا على تسعير أدوات الدين الجديدة أو القائمة التي تم إدراجها في البورصات العالمية والمحلية.
مكتسبات أسواق الدين السعودية
وكجزء من جهود المركز تجاه تطوير البنية التحتية للسوق المحلية، بالتعاون مع الجهات الحكومية الأخرى، إلى جانب تعزيز مكانة السعودية في الأسواق الدولية، فقد تمكن المركز من تحقيق تقدمات ملحوظة لأسواق الدخل الثابت في المملكة، سواء على صعيد الإصدارات المقومة بالعملة المحلية أو العملة الصعبة.
وأول ذلك هو الاستمرارية في تطوير مبادرة المتعاملين الأوليين في السوق المحلية، حيث يقوم خمسة متعاملين أوليين بالترتيب والمشاركة في المزادات الأولية نيابة عن المستثمرين في إصدارات السوق المحلية وتوفير السيولة اليومية في السوق الثانوية.
وثانيها تمديد آجال استحقاقات الصكوك في السوق المحلية عبر اصدارات جديدة تشمل 12 و15 و30 عاما، وذلك لاستكمال منحنى العائد خالي المخاطر، ما يسهم في دعم مختلف الأسواق شاملة أسواق الدين العقارية.
وثالثها تخفيض الحد الأدنى لحجم الاكتتاب في الصكوك من مليون ريال إلى ألف ريال سعودي لزيادة قاعدة الطلب، إضافة إلى تخفيض رسوم معاملات السوق المحلية بالتنسيق مع هيئة السوق المالية والسوق المالية السعودية (تداول).
أما الخامس فكان ضم أدوات الدين الخاصة في السعودية والمقومة بالعملات الصعبة إلى مؤشرات جي بي مورجان للأسواق الناشئة EMBI، وسادسا فتمثل في الطرح الأولي لباكورة إصدارات السعودية من السندات المقومة بعملة اليورو.
وسابعا تمكن المركز من زيادة قاعدة المستثمرين الدوليين 10 في المائة خلال 2019، وثامنا ارتفاع نسبة المستثمرين الآسيويين ليصل لأول مرة إلى أكثر من 20 في المائة من حجم إصدار الصكوك الدولي الأخير في 2019.
وذكر المركز الوطني لإدارة الدين أنه سيواصل استراتيجيته الخاصة بالتعامل مع مستثمريه في كل من الجولات الترويجية في الخارج بالإضافة إلى استمرار زيارات المستثمرين إلى السعودية، علما أن التركيز المستمر على مزيد من التنوع في المستثمرين هو الهدف الرئيس لعام 2020 لاستراتيجية علاقات المستثمرين.
مواقع النشر (المفضلة)