أسواق النفط تراهن على اجتماع «أوبك+» المقبل في دعم التوازن وحماية الأسعار

واصلت أسعار النفط أمس انخفاضاتها القياسية إلى أدنى مستوى منذ يناير من العام الماضي بفعل المخاوف الواسعة المتأججة في كل دول العالم جراء انتشار فيروس كورونا المستجد، ما ألحق أكبر ضرر بمستوى الطلب العالمي على النفط، وأشاع أجواء سلبية بشأن توقعات نمو الاقتصاد العالمي.
ويراهن كثير من المتابعين الدوليين على قرارات "أوبك+" خلال الاجتماع الوزاري المقرر له الأسبوع المقبل في فيينا، الذي يبحث سبل دعم التوازن في السوق وحماية الأسعار من التهاوي عبر توسيع مستويات خفض الإنتاج لدول التحالف الذي يقدر مبدئيا - بحسب توصيات اللجان الفنية - بنحو 600 ألف برميل يوميا.
ويقول لـ"الاقتصادية"، محللون نفطيون "إن أسعار الخام تواجه ضغوطا متواصلة ومتضادة جراء تقلبات أوضاع السوق وتتعدد العوامل المؤثرة خاصة الأزمة الأخيرة الخاصة بفيروس كورونا، ولذا تشير توقعات التقارير الدولية إلى بقاء أسعار النفط بين 50 و70 دولارا حتى عام 2025 نتيجة اتجاه الاقتصاد العالمي نحو تسجيل تباطؤ في نمو الطلب والعرض أيضا على المدى الطويل.
وذكر المحللون أن ضعف مستوى الأسعار تسبب في وقوع أكثر من 200 حالة إفلاس في قطاع النفط والغاز في أمريكا الشمالية منذ عام 2015، لافتين إلى أن إبطاء إمدادات النفط الصخري الزيتي في الولايات المتحدة يمكن أن يهدئ وتيرة نمو العرض العالمي، لكن المشكلة تكمن في ضعف الطلب أيضا.
وفي هذا الإطار، أوضح مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، أن فيروس كورونا له تداعيات ممتدة على سوق النفط وغير معروف إلى أي مدى ستستمر، حيث تتسابق الاقتصاديات الدولية لاحتواء الأزمة وتجنيب الاقتصاد العالمي مزيدا من الخسائر الفادحة التي سجلت على مدار الشهر الماضي.
وأضاف ماندرا أن "سوق النفط تواجه بالفعل فائضا حادا في العرض على المدى القريب نتيجة زيادة إمدادات عديد من الدول المنتجة خاصة من خارج "أوبك" الذي يجيء لسوء الحظ مع احتمال تدمير الطلب والتباطؤ الاقتصادي نتيجة تفاقم انتشار فيروس كورونا"، مشيرا إلى أن استمرار تدهور الأسعار يضعف فرص انتعاش الإنتاج خاصة في صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة التي تقترب من الدخول في دوامة الركود".
من جانبه، يقول جون هال مدير شركة "ألفا إنرجي" الدولية للطاقة، "إنه - بحسب تقديرات "أوبك" - ستكون هناك خلال هذا العام زيادات مؤثرة في إنتاج دول مثل البرازيل وجيانا والنرويج، فيما لا يزال الطلب العالمي يواجه صعابا واسعة نتيجة تداعيات الحرب التجارية التي أعقبتها أزمة فيروس كورونا، وهو ما دفع كثيرا من المنظمات والبنوك إلى خفض توقعاتها للطلب في العام الجاري.
ولفت هال، إلى بيانات بنك "أوف أمريكا ميريل لينش" التي تؤكد أن الإنتاج الأمريكي من الصعب أن يستمر على وتيرته المرتفعة الحالية في ضوء تغيرات جوهرية في مفردات السوق ووجود رؤية متشائمة نسبيا للنمو الاقتصادي، لافتا إلى أن اقتصادات إنتاج النفط الصخري الزيتي في الولايات المتحدة لا تزال تشير إلى حد أدنى إلى سعر خام برنت بنحو 50 دولارا للبرميل والحد الأدنى لسعر خام غرب تكساس الوسيط بقيمة 45 دولارا للبرميل، مشيرا إلى توقع دوائر اقتصادية دولية موثوقة أن يكون معدل النمو الهائل في صناعة النفط الصخري قد انتهى تماما.
من ناحيته، ذكر دان بوسكا كبير محللي بنك "يوني كريديت" الدولي، أن الوفرة الحالية في المعروض لن تستمر طويلا ولذا يفكر المنتجون في "أوبك+"، بحسب الأنباء المتداولة في وسائل الإعلام، في إجراء تخفيضات إنتاجية مؤثرة للتغلب على تلك الوفرة التي ستكون مهيمنة على السوق خاصة في الربع الثاني من العام الجاري.
وأضاف بوسكا "بحسب إحصائيات شركة شلمبرجير، فإن نمو النفط الصخري الزيتي في الولايات المتحدة سيتباطأ بنحو 600 ألف برميل يوميا هذا العام و200 ألف برميل في العام المقبل 2021 ما لم تحدث تطورات تكنولوجية تتيح مزيدا من الغزارة الإنتاجية مرة أخرى".
بدورها، تعتقد إكسوي ساهو المحللة الصينية، أن الاستثمارات في الوقود الأحفوري ستستمر في وتيرة الصعود على الرغم من ضغوط تغير المناخ واتجاه كثير من الاستثمارات نحو موارد الطاقة الجديدة والمتجددة، لكن يبقى الوقود الأحفوري عنصرا رئيسا في مزيج الطاقة خاصة في الاقتصادات الناشئة والصاعدة وبالتحديد في آسيا التي تسجل أسرع معدلات النمو في الصين والهند على الرغم من الأزمة الراهنة وتداعياتها التي ستكون مؤقتة، حيث يتوقع بعض التقديرات الدولية أن تنتهي أزمة فيروس كورونا بحلول مايو المقبل. وذكرت إكسوي أن بعض البنوك الكبرى شرع بالفعل في وضع عدد كبير من قيود التمويل الجديدة على الموارد النفطية والفحم استجابة لضغوط منظمات حماية البيئة، لكن المنتجين خاصة في "أوبك" أدركوا حجم هذا التحدي ويعملون حثيثا على رفع مستويات الكفاءة وتقليل الانبعاثات انطلاقا من التزامهم الشديد بمعاهدة باريس ولدعم جميع الجهود الدولية في مجال مكافحة تغير المناخ.
على صعيد تداولات الأسواق، تراجعت أسعار النفط لليوم الخامس مسجلة أدنى مستوياتها منذ يناير 2019 حيث أجج تنامي حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا خارج الصين بواعث القلق من جائحة قد تكبح نمو الاقتصاد العالمي والطلب على الخام.
وبحسب "رويترز"، انخفض خام برنت 1.58 سنت بما يعادل 3.01 في المائة إلى 51.23 دولار للبرميل، فيما هبطت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 1.60 سنت أو 3.49 في المائة إلى 47.13 دولار للبرميل.
ويثير انتقال الفيروس إلى اقتصادات كبيرة مثل كوريا الجنوبية واليابان وإيطاليا المخاوف من نمو محدود للطلب على الوقود، توقعت "فاكتس جلوبال إنرجي" الاستشارية ألا يتجاوز نمو الطلب على النفط 60 ألف برميل يوميا في 2020، أو "صفر عمليا"، بسبب اتساع نطاق التفشي.
وتراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 54.01 دولار للبرميل أول أمس مقابل 55.88 دولار للبرميل في اليوم السابق، وأفاد التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أمس أن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 14 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق رابع انخفاض له على التوالي، وأن السلة خسرت أربعة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 58.35 دولار للبرميل.
وذكرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات الخام زادت 452 ألف برميل في الأسبوع المنتهي في 21 شباط (فبراير) إلى 443.3 مليون برميل، مقارنة بتوقعات المحللين في استطلاع لزيادة قدرها مليونا برميل، وأشارت إلى أن مخزونات الخام في نقطة التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما زادت 906 آلاف برميل في الأسبوع الماضي، فيما تراجع استهلاك الخام في مصافي التكرير بمقدار 202 ألف برميل يوميا، وهبطت معدلات تشغيل المصافي 1.5 نقطة مئوية.
وأضافت الإدارة أن "مخزونات البنزين انخفضت 2.7 مليون برميل إلى 256.4 مليون برميل، مقارنة بالتوقعات في استطلاع بنزولها 2.2 مليون برميل، بينما هبطت مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة 2.1 مليون برميل إلى 138.5 مليون برميل، مقابل توقعات لهبوط قدره 1.7 مليون برميل، بينما انخفض صافي واردات الولايات المتحدة من الأسبوع الماضي بنحو 423 ألف برميل يوميا".