سوق بلا نبض: في رثاء "المستثمر الشريك"
لا تزال أزمة السوق تكمن في أعماقه لا في أرقامه؛ والسبب الجوهري ليس شحّ السيولة، بل هو النزوح الصامت للمستثمر الحقيقي من المشهد المالي.
إن "المستثمر الحقيقي" ليس مجرد رقم في سجل المساهمين، بل هو ذاك الذي يزرع ثروته في تربة الشركات ذات العوائد المستقرة والنمو الواعد، متجاهلاً صخب اللهاث خلف القيمة السوقية اللحظية. هذا المستثمر، وتحديداً كبار المساهمين، كان يمثل "رأس المال الذكي"؛ فهو شريك في الرؤية، ومحرك للنمو، وضابط لإيقاع القيادات الإدارية.
شركات منهكة وقيم متآكلة
اليوم، نرى المشهد مقلوباً؛ فالشركات تبدو منهكة، لا تنمو بل تصارع للبقاء على قيد الحياة. كيانات كبرى كانت تُعدّ أعمدة للاقتصاد، أصبحت تسجل خسائر متتالية، لتجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: إما النهش من رأس مالها، أو تآكل قيمتها الدفترية حتى التلاشي.
سيادة المضارب وإرهاق السوق
هذا الغياب القسري للمستثمر الاستراتيجي ترك الساحة شاغرة للمضاربين، فاستحالت التداولات إلى مجرد "كميات بلا كيف". والنتيجة؟ سوق مرهق؛ كلما حاول سهم أن يستعيد عافيته، انهالت عليه سياط البيع بلا هوادة. غاب "صمام الأمان" الذي يسند السهم عند المنحدرات، فالمستثمر الحقيقي الآن يقف في منطقة الظل.. يراقب بأسى تعثر الشركات، منتظراً معجزة التعافي أو إعلان الوفاة المالية.
الحل: تدخل ذكي لاستعادة الثقة
إن واقع الحال يؤكد أن هذه الشركات باتت بحاجة إلى "رئة اصطناعية" من خلال رعاية الدولة؛ دعم ذكي، مدروس، ومتدرج، لا يكتفي بضخ السيولة، بل يعيد هذه الكيانات إلى سكة النمو الحقيقي. الهدف الأسمى هنا هو استعادة ثقة ذلك "المستثمر الغائب"؛ فبدون عودة الشريك الحقيقي، سيبقى السوق جسداً بلا نبض، ينتظر من ينفخ فيه روح الحياة مجدداً.


رد مع اقتباس



مواقع النشر (المفضلة)