الابْتِلاءُ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ سُنَّةٌ رَبَّانِيَةٌ لِيَبْلُوَنَا أَيُّنَا أَحْسَنُ عَمَلاً!
وَقَدْ ابْتَلانَا اللهُ بِتَأَخُّرِ الأَمْطَارِ، وَلا شَكَّ أنَّ لِذَلِكَ حِكَمَاً يَعْلَمُهَا اللهُ سُبْحَانَهُ.
وَلا نَشُكُّ كَذَلكَ أنَّ لَهَا أسْبَابَاً شَرْعِيَّةً ذَكَرَهَا اللهُ لَنَا فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ،
وَبيَّنَهَا لَنَا نَبِيُّنَا الكَرِيمُ عَليهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ.
فَبَادِئَ ذِيِ بِدْءٍ رَدِّدُوا بِقُلُوبِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ وَجَوَارِحِكُمْ:
نَسْتَغْفِرُ اللهَ وَنَتُوبُ إليهِ. الَّلهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفَّاراً فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدْرِارَاً.
مَعَاشِرَ الْمُسلِمِينَ: قَدَرُنا أنَّنا نُذنِبُ وَنُخطئُ وَنَغْفُلُ وَنُقَصِّرُ،
تَضْعُفُ نُفُوسُنا حِينًا، وتَعتَرِينا الغَفلَةُ زَمَناً طَويلاً. وَكلُّ بَني آدمَ خَطَّاءٌ،
وفي صحيح مُسلمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«وَالَّذِي نَفْسِىي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ».
ولا يعني هَذا التَّهوينُ مِن شَأنِ الْمَعصِيَةِ، كَلاَّ فالسَّلامَةُ لا يُعادِلُها شيءٌ!
فَيَا أَيُّها الْمُسْلِمُ: إذا عَصَيْتَ اللهَ فَبَادِر بالتَّوبَةِ مَهْمَا قَلَّ ذَنُّبكَ أو عَظُمَ،
فَأَصلِحَ ما أَفسَدَتْهُ جَوارِحُك بالاستِغْفارِ، ولا تَيْأسْ ولا تَمَلَّ، فهذا أمْرُ اللهِ لَكَ،
كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ
وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
يَا عَبْدَ اللهِ: لابُدَّ أَنَّ تُدْرِكَ يَقِينًا أَنَّ الْمَاءَ هُوَ الحَيَاةُ وَهِبَةُ اللهِ على عِبَادِهِ،
أَلَمْ يَقُلِ اللهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ .
فَاقْدُرْ لِنِعْمَةِ الْمَاءِ قَدْرَهُ، وَاشْكُرْ رَبَّكَ عليهِ، واحْذَرِ الإسْرَافَ فِيهِ وَلو كُنْتَ عَلى نَهْرٍ جَارٍ،
وَتَأمَّلْ قَولَ اللهِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ .
أيُّهَا الأَخُ الْمُسْلِمُ: لَقَدْ ابْتلانَا اللهُ بِتَأَخُّرِ القَطْرِ؛ لِنَتُوبَ إليهِ وَنَسْتَغْفِرَهُ،
ولِنَعْلَمَ أنَّهُ لا غِنَى لَنَا عَنْ رَحْمَةِ رَبِّنَا وَعَفْوِهِ طَرْفَةَ عَينٍ! وَحَتَّى نُحَاسِبَ أَنْفُسَنَا وَنَتَدَبَّرَ فِي فِعْلِنَا!
فَقَدْ قَالَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ
وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ واعلموا يَا رَعَاكُمُ اللهُ:
أنَّ إنْزَالَ الْمَطَرِ غَالِبَاً عَلامَةٌ لِرِضَا الرَّبِّ عَلَى عِبَادِهِ، وَدَلالَةٌ عَلى اسْتِقَامَتِهِم عَلَى دِينِهِ
كَمَا قَالَ تَعَالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً *لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً .
فَلَو اسْتَقَامَ النَّاسُ عَلى طَرِيقِ الهِدَايَةِ وَاسْتَمَرُّوا عَلَيهَا لأَسْقَاهُمْ مَاءً كَثِيرًا هَنِيئًا مَرِيئًا،
وَلَكِنْ يَمنَعْهُمُ ظُلْمُهُمْ وَعُدْوَانُهمْ: لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ نَسْتَغْفِرُ اللهَ وَنَتُوبُ إليهِ.
الَّلهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفَّاراً فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدْرِارَاً.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِلمُؤمِنينَ والْمُؤمِنَاتِ،
فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.