التغافل:
هو إظهارك الغفلة عن عيب أو نقص مع علمك به وإطلاعكَ عليه تفضلاً على المتغافل عنه وترفعاً عن صغائر الأمور وتوافهها.
إن أغلب المشكلات التي تحصل بين الأفراد سواء الإخوة أو الأصدقاء والأقارب نشأت من التدقيق والتركيز في المعاملات بين البعض.
=====
من أعظم المصائب وأشد البلاء أن نعيش مع أُناس يدققون في أعمالنا ومتتبعين لكل شاردة وواردة، لماذا؟ وأين؟ وكيف؟ ومتى؟ وهل؟......
إلى غير ذلك من التساؤلات العقيمة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، فضلاً على أثرها السلبي في العلاقات فحتماً لن يكون إيجابياً أبداً وإن المُدقق والمُتتبع للسقَطات والهفوات شخصٌ محدود التفكير ضئيل الرؤية
قال جعفر الصادق رحمة الله: (عَظّموا أقداركم بالتغافل)
لذا كان هذا الخلق من أسياسيات دوام العلاقات وأحد قوانينها فلن تدوم علاقة بالمحاسبة فلا تُضخم الأمور وتضعها في غير موضعها..
قال الشاعر:
ليس الغبي بسيداً في قومهِ
لكن سيدَ قومهِ المتغابي
وقال آخر:
وأسكتُ عن أشياءٍ لو شئتُ قُلتها
وليس علينا في المقالِ أمير
=====
إن التغافل والتغاضي عما يزعجنا من الأشخاص الذين نتعامل معهم، فنٌ لا يجيده إلاّ القليل
حيث يعيش الراضون براحة بال، ويمضون في حياتهم إلى الأمام عكس الآخرين الذين لا يستطيعون تلَمُّس مواطن الجمال في الآخرين لانشغالهم بعيوبهم ونقائصهم
والبعض يغفل عن الأخطاء والهفوات ليس نقصاً أو ضعفاُ منهم، إنما ذلك إدراك للعواقب الناتجة عن هذا التدقيق،
ولأن المواقف ستتأزم بينهم وتبدأ المعارك اللفظية، وربما يحصل الخلاف الذي قد يسبب القطيعة، فكان الأولى غضّ الطرف والتجاهل.
قال أكثم بن صيفي رحمه الله: (من شددَ نَفّر، ومن تراخى تآلف، والشرف في التغافل)
=====
وأخرج الإمام أحمد عن عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، أن الحبيب المصطفى أمر صحابته حيث قال: (لا يُبلّغِني أحدٌ عن أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر).
إنك إن تغافلتَ عن زلة رأيتها، أو خطأ وقعت عليه، لا يعني الغباء والسذاجة والضعف.. بل هو الفطنة والعقل والحكمة
قال معاوية رضي الله عنه: (العقل مكيال: ثلثه الفطنة، وثلثاه التغافل)،
وقال الشافعي رحمه الله: (الكيّس العاقل هو الفطن المتغافل).
التغافل والتغاضي لا يكون في حقوق الله وحدوده من الواجبات والمحرمات والأوامر والنواهي الشرعية،
إنما يكون في أمور الحياة التي قد يحدث فيها العجز والكسل والنقص والتقصير والخلل
فقد ذمَّ الله سبحانه بني إسرائيل ولعنهم وعاقبهم بتركهم التناهي عن المعاصي وبها كان هلاكهم
فقال سبحانه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ* كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (78-79) سورة المائدة.
فعلينا مجاهدة النفس والتحلي بهذا الخلق الرفيع الذي هو من شيم الكرام وأهل الأخلاق
فضلاً عما يجده المتغافل والمتغاضي من سعة الصدر وراحة البال ونقاء النفس والسريرة وصفاء الروح.
..
مواقع النشر (المفضلة)