.
تابع :
النقطة الثانية :
لا يوجد في الحديث الذي ذكره المتكلف ما ينفي رؤية الناس للجبال، غاية ما فيه أنهم يُحشرون في أرض بيضاء لا جبال ولا أشجار فيها، ولكن قبل هذه اللحظة أو المرحلة هل عنده دليل على أن الناس و الجبال لا يجتمعان في هذا اليوم وأنه لا وجود للجبال يوم القيامة ؟ لا يوجد لديه دليل على هذا، بل الدليل ضده كما سيأتي
يوم القيامة يوم طويل وفيه أحداث وأحداث ، وللجبال في هذا اليوم حالات تكون كالعهن المنفوش وتكون كالكثيب المهيل، وتُسير ، ولا ندري عن المدة التي تأخذها كل حالة !
ولكن نحن نسأل هذا المتكلف هذا السؤال : قال تعالى : ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) ألا تحتمل رؤية الناس للجبال ؟
قال بعض المفسرين من أهل اللغة قوله ( وحشرناهم ) بصيغة الماضي، دليل على أن حشرهم كان قبل تسيير الجبال ليروا هذه الأهوال .
فالحديث الذي ذكره هذا المتكلف هو مرحلة من مراحل هذا اليوم وهو بعد خلو الأرض من الجبال والأشجار
وفي صحيح البخاري ومسلم ( و النقل من صحيح مسلم ) :
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَوْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ، تَصْدِيقًا لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}،
فالنبي عليه الصلاة والسلام هنا لم يعترض على الحبر بمثل الحديث الذي جاء به المتكلف ، ولم يقل له يوم القيامة ليس فيه جبال ولا شجر، بل أقر الحبر بما قال، وهذا يدل على وجود الخلق والجبال في لحظة من لحظات يوم القيامة، وليس كما يظنه هؤلاء المتكلفون أنه لا يجتمع الناس والجبال يوم القيامة ، وأنه لا جبال يوم القيامة .
فدل الحديث على أن يوم القيامة فيه وقتٌ تكون فيه جبال وأشجار، وأن الحديث الذي جاء به المتكلف مرحلة من مراحل يوم القيامة تكون بعد تسيير الجبال والأشجار وزوالها .
وكلمة ( تصديقًا له ) التي جاءت عن الراوي في هذا الحديث ، لها عند أهل السنة والجماعة موقع عظيم، فهي سلاح يشهرونه في وجوه المبتدعة .
فإن شغب أحد المتكلفين وقال بعض الروايات لا توجد فيها ( الجبال ) قلنا : الروايات توجد فيها ( الأشجار ) أو ( الماء ) ثم أن قوله ( سائر الخلق ) أو ( الخلائق ) لفظ يجمع! فعلى كل حال هو يخالف الحديث الذي استشهدتم به ، فلا دلالة لكم في الحديث الي استشهدتم به بانتفاء رؤية الناس للجبال في ذلك اليوم وغاية ما فيه أنها مرحلة من مراحل يوم القيامة .
النقطة الثالثة :
الشيء إذا استحال إلى شيء آخر فإن اسمه المعهود يبقى عند من يعرفه، فالجبال إذا أصبحت كثيبًا مهيلًا، وهباءً منبثًا وكالعهن المنفوش ، يبقى اسمها المعهود عند من يعرفها ، فلو قُدر أنك ستكلم أحد في ذلك اليوم فإنك ستقول : أنظر إلى الجبال كيف أصبحت ، ولو سألك أحد أين الجبال؟ فستقول له : هذه هي الجبال .
فإذا كان الناس يعرفون أن هذه هي الجبال في ذلك اليوم، ويعرفون أحوالها، جاز مخاطبتهم عنها بالاسم المعهود لها عندهم .
وعلى هذا فنحن لا نعلم في أي حال ستكون الجبال عند هذا المشهد، ولكن ذكرنا هذه النقطة من باب الجدل والمناظرة وإضافة علم، وتوضيح وبيان لهؤلاء المتكلفين .
لنا لقاء بمشيئة الله .
<
.
مواقع النشر (المفضلة)