شتَّان ما بين إرادةٍ وإرادة!
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾

يا له من تكريمٍ للإنسان، لا يُدرك مَداه إلا مَن يستشعرُ حقيقةَ الألوهيَّة وحقيقةَ العبوديَّة!
فمَن تأمَّل قوله سبحانه:
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾
يُدرك مَدى التلطُّف الكريم من الربِّ المعبود العظيم جلَّ في عُلاه بمخلوقه العاجز الضعيف.
فماذا يريدُ الله بالناس، حين يبيِّن لهم منهجَه، ويَشرَع لهم سُنَّته؟
إنه يريدُ أن يتوبَ عليهم، يريد أن يهديَهُم، يريد أن يجنِّبَهم المزالق،
يريد أن يُعينَهم على التسامي في المُرتقى الصَّاعد إلى القمَّة السامقة.
وماذا يريدُ الذين يتَّبعون الشَّهَوات، ويزيِّنون للناس مذاهبَ لم يأذَن بها الله، ولم يَشرَعها لعباده؟
إنهم يريدون لهم أن يميلوا مَيلًا عظيمًا عن المنهَج الراشد، والمُرتقى الصَّاعد، والطريق المستقي.

ما أعظمَ حِلمَك يا ربِّ، وما أكرمَك، وما ألطفَك!
تدعو الإنسانَ إلى التوبة، وتحثُّه عليها، وتريدها له برحمةٍ وحَدَبٍ ولطفٍ وحنوٍّ وتخفيف.
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ، وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ﴾
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ .

على حينِ يدعو أربابُ الشَّهَوات والمعاصي الإنسانَ إلى الانحراف عن منهَج الله، ونبذ الحجاب والوقوع في العِصيان،
وإطلاق الغرائز. يريدون له أن يميلَ ميلًا عظيمًا مع ملذَّاته وفساده؛
لأنَّ ذلك يُتيح لهم المزيدَ من التفلُّت، والمزيدَ من الشَّهَوات، والمزيدَ من الملذَّات.

جعلنا الله ممَّن يرتقي لمُراده فيَنصاعُ لأمره،
وعصَمَنا من المَيل مع أهل الأهواء والشَّهَوات.