الوقفة السادسة: مصاب أليم: وفي اليوم العاشر من المحرم من يوم عاشوراء من عام واحد وستين هجرية، حلت بالمسلمين فاجعة كبرى، هي مقتل سيد شباب الجنة الحسين بن علي -رضي الله عنهما- *** بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وموت الحسين -رضي الله عنه- مصيبة جلل على المسلمين جميعا، ولكن لا نقول فيها إلا ما يرضي الله عنا، فلا نشق فيها جيوبنا، ولا نسود ثي***ا، ولا نضرب بالأيدي صدورنا، ولا بالسلاسل ظهورنا، وإنما نسترجع ونقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون".



هكذا أدبنا الله -عز وجل- عند وقوع المصيبة على أحدنا، قال الله -تبارك وتعالى-: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 156 - 157].


إن فئات من الناس بدلا من أن يجعلوا عاشوراء يوم فرح بانتصار الحق على الباطل كما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعلوه يوم مأتم وحزن لأجل مقتل الحسين -رضي الله عنه-.


وما علم هؤلاء أن الله -جل جلاله- لم يأمرنا ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم- باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما، فكيف بمن دونهم من سائر الناس؟

الوقفة السابعة: عيد رأس السنة الهجرية: اعتادت بعض الدول الإسلامية أن تحتفل بعيد رأس السنة الهجرية على غرار عيد النصارى لرأس السنة الميلادية، فجعلوا أول يوم من السنة الهجرية إجازة رسمية، ولا شك أن أعياد الإسلام اثنان لا ثالث لهما، فلا يُشرع أن يُحتفل بأول السنة الهجرية كاحتفال العيد أو التهنئة به كتهنئة العيد.



الوقفة الثامنة: مبدأ مخالفة اليهود والنصارى: إن دخول سنة هجرية جديدة، يذكرنا بعزة المسلمين في العصر الأول، وحرصهم على تميزهم بين الأمم ورفضهم للتبعيةِ للدول العظمى في ذلك العصر، ففي عهد خلافة الفاروق عمرَ بنِ الخطاب -رضي الله عنه- رُفع إلى عمر صكٌ لرجل على رجل آخر؛ وفيه أنه يحلُ دينه في شعبان، فقال عمر: أي شعبان؟ أشعبانُ هذه السنةُ التي نحن فيها أو السنة الماضية أو الآتية؟ فجمع عمر الصحابة فاستشارهم في وضع تاريخ يتعرفون فيه على حلول الديون، وغير ذلك، فاقترح في بداية الأمر التاريخ بتاريخ فارسَ والروم، فكُره ذلك لنهي الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن مشابهةِ أهل الكتاب، ثم اتفقوا -رضي الله عنهم- أن يجعلوا التاريخ من بداية هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، ولأنها بداية تكوين الدولة الإسلامية، فهل نحرص -معشر المسلمين- على مخالفة أهل الكتاب في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كما فعل الصحابة -رضي الله عنهم-؟


الوقفة التاسعة: بِدعُ يومَ عاشوراء: لقد توارث الناس أحاديث ضعيفة وأخرى مكذوبة على النبي -صلى الله عليه وسلم- تحث على التوسعة على العيال في يوم عاشوراء والاكتحال فيه، كما أن هؤلاء الناس اخترعوا أطعمة وعبادات وأدعية خاصة لهذا اليوم لم يأمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووصل الأمر ببعضهم أنهم يخافون الزواج في يوم عاشوراء أو في شهر محرم كله، وكل هذا لا أصل له، ولعلهم ورثوا هذا التشائم من طوائفَ لا تنتسب لأهل السنة والجماعة، فلا يشرعُ لأحد أن يعمل بأي عبادة حتى يسأل عنها أهل العلم، فاحذروا البدع -يرحمكم الله- فإن كل بدعة ضلالة.


الوقفة العاشرة والأخيرة: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية: يذكرنا دخول عام هجري جديد بهجرة الصحابة -رضي الله عنهم- من مكة إلى المدينة، فقد أوجب الله -تبارك وتعالى- على رسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام الهجرةَ من مكة إلى المدينة ليفروا بدينهم بعد أن أصبحت المدينة دار أمن واستقرار للمسلمين، ففارق الصحابة أوطانهم تاركين خلفهم عقاراتهم وأموالهم وبيوتهم فارين بدينهم استجابة لأمر الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإننا إذ نستشعر ذلك الامتحانَ الصعبَ الذي نجح فيه أولئك الرجال، فنالوا شرف الهجرة في مفارقة أوطانهم وأموالهم مرضاة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فهل لنا أن نفوزَ بما فاز به أولئك؟ وهل يمكن أن نقوم بما قاموا به بعد أن قال صلى الله عليه وسلم ما رواه عنه البخاري ومسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"؟


إن ما يطلبه الله منا اليوم هو أهون بكثير مما طلبه من صحابة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، إن ما يطلبه الله منا اليوم يتمثل في الهجرة من مواطن المعصية إلى مواطن الطاعة، يتمثل في هجرة المعاصي إلى مواطن الخير والحسنات، ألا نستطيع ذلك -يا عباد الله-؟ بلا -والله-، فهلموا إلى هذه الهجرة.


أسأل الله -عز وجل- أن يعيننا على ذلك، وأن يجعل هذه السنةَ الجديدةَ سنةَ خير وبركة على هذه البلاد خاصة وعلى بلاد المسلمين عامة.



اللهم إنا نسألك خير هذه السنة وخير ما فيها ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها.


اللهم زينا بالعلم وجملنا بالتقوى وألبسنا لباس العافية.


اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا.