الخطبة الثانية
الحمَدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَهُ:( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)
سُبْحَانَهُ وَهُوَ الَّلطِيفُ الْخَبِيرُ, وَأَشْهَدٌ أَنَّ نَبِيَّنا محَمّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إمَامُ الأَنْبِياءِ،
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَليهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِه وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ وَعَنَّا مَعَهُمْ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ, وَأَصْلِحُوا أَعْمَالَكُمْ, فَاليومَ مُهْلَةٌ وَعَمَلٌ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلا عَمَلَ، فَاسْتَبِقُوا الخَيرَاتِ،
وَتَزَوَّدُا مِنَ الصَّالِحَاتِ فَهِيَ البَاقِيَاتُ.
إخوةَ الإيمان: في تَقَلُّبِ الزَّمَانِ وَتَحوُّلِ الحَالِ فُرْصَةٌ للنَّظَرِ وَالتَّفَكُّرِ وِالاعْتِبَارِ كَمَا قَالَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ).
العَالَمُ اليومَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ الاحْتِبَاسِ الحرَارِيّ فِي الأَرْضِ، وَيُتَابِعُونَ بِدِقَّةٍ دَرَجَاتِ الْحَرَارَةِ وَيَتَّخِذُونَ كَافَّةَ الْوَسِائلِ والاحْتِيَاطَاتِ,
ويَنسَوْنَ أنَّ الأَمرَ كُلَّه للهِ وبيدِ اللهِ يُقلِّبُهَ كَيفَ يَشاءُ، فَعَلى العِبَادِ أَنْ يَعلَمُوا أَنَّ الأَرضَ اليومَ تعُجُّ بالشِّرْكِ والْمعَاصِي, والشُّذُوذِ والسُّفُورِ,
وَأَنَّ الظُّلمَ قَد سَامَ الْعِبَادَ، وَكَثُر الهَرْجُ وَالْمَرْجُ، وَاستُهينَ بِالدِّماء، وَاسْتُبِيحَتِ الأَعْرَاضُ، فَعَلى الخَلْقِ أنْ يَعُودوا إلى اللهِ،
وَأنْ يَعُودُوا لِمَنْهَجِ اللهِ القَويمِ، وَصِرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ, وَلْيَتَذَكَّرُوا قَولَ اللهَ تَعَالى:
( ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). وسُنَّةُ اللهِ على الْعِبَادِ مَاضِيَةٌ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً.
فَقَدْ عَذَّبَ اللهُ قَومَ شُعَيبٍ عَليهِ السَّلامُ بِعَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ فَقَدْ أرسَلَ الله إليهم سَمُومًا من جَهنَّمَ، فَأَطَافَ بهم سَبْعَةَ أَيَّامٍ حتى أَنْضَجَهمُ الحرُّ،
فحَمِيَت بُيُوتُهُمْ وَغَلَتْ مِيَاهُهُم في الآبَارِ وَالعُيُونِ، فَخَرَجوا مِنْ مَنَازِلهم هَارِبينَ وَالسَّمُومُ يُطَارِدُهُمْ،
فَسلَّطَ اللهُ عليهم الشَّمسَ من فَوقِهِمْ وَالرَّمضاءَ مِن تحتِ أَرجُلِهم حتى تَسَاقَطَتْ لحومُ أَرجُلِهم!
أَيُّهَا الْمُؤمنِونُ: أَعْظَمُ ما يُدفَعُ بِهِ العَذَابْ وَتُتقى بِه النَّارْ الاكْثَارُ مِن الحسَنَاتَ وَالتَّخَفُّفُ مِن السَّيئَاتِ،
فالمؤمِنونَ فَالْمُوقِنُونَ بوَعدِ اللهِ وَوَعِيدِهِ دَائِمًا خَائِفُونَ مِن عَذَابِ السَّمُومِ،
ذَلِكَ لأَنَّ اللهَ مَنَّ عَلَيْهِمْ فَوَقَاهُمْ عَذَابَ السَّمُومِ, (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ).
عِبَادَ اللهِ: أَطْفِئُوا حَرَّ الصَّيفِ بِموَاسَاةِ الْفُقَراء وَالصَّدَقَةِ عَليهِمْ، وَتَواصُوا بِالبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ، وَارْحَمُوا العَمَالَةَ الكَادِحَةِ مِن حَرِّ الظَّهِيرَةِ، فَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا لا يُطِيقُونَ،
وَارْحَمُوا مَنْ في الأَرْضِ، يَرْحَمْكُمْ مَنْ في السَّمَاءِ. ولا تَنْسَوا أَنَّ "سَبْعَةً يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ,
وَمِنْهُمْ: وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ "
فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ الإمَامُ الأَلبَانِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ،
أَوْ قَالَ: حَتَّى يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ يَزِيدُ: فَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ لَا يَتَصَدَّقُ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَعْكَةً وَلَوْ بَصَلَةً.
عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ نَنْعَمُ بِحَمْدِ اللهِ بِبُيُوتٍ وَتَكْيِيفٍ وَتَبْرِيدٍ, وَفِي بُيُوتٍ مَآسٍ لا يَعْلَمُهَا إلا اللهُ تَعَالى أرَامِلَ وَمُطَلَّقَاتٍ, وَعَاطِلُونَ وَمَدْيُونُونَ,
قَدْ يُقْطَعُ عَنْهُمُ التَّيَّارُ وَليسَ لَهُمْ بَعْدِ إلا أَنتُمْ. فَهَلاَّ تَفَقَّدْنَا الأَقَارِبَ والْجِيرَانَ والْفُقَرَاءَ والْمُعْوزَينَ, واللهُ فِي عَونِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَونِ أخيهِ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا).
فَالَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمَّدٍ، وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ, وَارْزُقْنَا إتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَباطِنَا,
وَارْزُقْنَا حُسْنَ القَولِ وَالعَمَلِ, الَّلهُمَّ جَمِّلْ بَوَاطِنَنَا بِالإخْلاصِ وَالتَّقْوى. وَظَوَاهِرَنَا بِالطُّهْرِ والنَّظَافَةِ وَالنَّقَاءِ.
الَّلهُمَّ اغْفِر لَنَا ولِوالِدِينَا والمُسْلِمِينَ أجْمَعِينَ. الَّلهُمَّ أَدِمْ عَلينَا الأَمْنَ والأَمَانَ وَالإيمَانَ وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحبُّ يَا رَحْمَانُ,
وَفِّقْ وُلاَةَ أُمُورِنَا لِخِدْمَةِ دِينِكَ واتِّبَاعِ سُنَّةِ نِبِيِّكَ, وَيَسِّرْ لَهُمُ الهُدَى. الَّلهُمَّ وانْصُرْ جُنُودَنَا واحفظْ بِلادَنَا وَحُدُودَنَا,
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ أُذْكُروا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
منقول خطبة الجمعة للشيخ خالد القرعاوي