نظرية “الأحمق الأكبر” في الأسواق
هذه النظرية تم ذكرها في المنشورات المالية وليست تأليفاً من بنات أفكاري.
هي تحكي عن ممارسة شاهدها الجميع في السوق، وهي وجود “أحمق كبير” في السوق مستعد لشراء سلعة أكبر من قيمتها الحقيقية وبقيمة مفرطة.
لماذا؟
لإيمانه بأنه سيبيع هذه السلعة بسعر أعلى إلى “أحمق أكبر” منه وهكذا دواليك إلى أن ينتهي الوصول بها إلى آخر “أحمق أكبر” والذي يدفع ثمن الحماقة.
يعمل هذا النهج، طالما كان هناك عدد كافٍ من “الحمقى الكبار” المستعدين لدفع أسعار أعلى وأعلى للأصل. حتى يصل المستثمرون إلى حالة “الإنكار” أن السعر بعيد عن الواقع.عند هذه النقطة يمكن أن يتسبب البيع في انخفاض السعر بشكل كبير حتى يقترب من قيمته العادلة حتى لو كانت صفراً.
هذه النظرية حاضرة في بعض الممارسات في أي سوق مثل الأسهم والعملات الرقمية والعقار وغيرها من السلع.
سلعة مثل مكائن ستينجر القديمة للخياطة ، والتي حلّقت أسعارها في سوق الحراج من قيمة خردة إلى عشرات الألوف بسبب شائعة الزئبق الأحمر وخواصه الخارقة وأن قطرات من هذا الزئبق تدخل في الصناعات النووية أو تحضير الجن الأزرق والكحلي وأبوقرون لكن هي شائعة جذبت البعض إلى الوقوع في نظرية “الأحمق الأكبر”.لست خبيرا بالكيمياء أو الجن والغيبيات، لكن من المضحكات المبكيات وبدون شماتة، أن العاقل يرى تماما أن الحماقة واضحة في هذه الشائعة، فهل يتصور بعض الحمقى وهو يفحص ماكينة ستينجر المأخوذة من غرفة جدته، ليرى إذا إشارات الإرسال للجوال تختفي أم لا بسبب الزئبق السحري. ثم يتوهم بأن روسيا أو أمريكا ستتصل على جواله الشخصي لشراء هذا الزئبق وقد يرسلون إليه هليكوبتر حربية على أنها توصيل بريد سريع. فعلاً، حماقة ونسأل الله للجميع العافية.أقرب تطبيق حالياً لهذه الممارسة من بعض الحمقى، هو تداول الأسهم بأسعار جنونية وغير منطقية.
وفقا لنظرية الأحمق الأكبر في تداول الأسهم، يتم تجاهل التقارير المالية للشركة، الأخبار الجوهرية، وتوقعات بيوت الخبرة المالية والتقييمات الفنية وغيرها من أساسيات التقييم للشركة.
لأنه وبكل بساطة، سعر السهم يرتفع بسبب نفسية سلوك بعض المتداولين، بسبب قدرتهم على بيع أسهم بأسعار عالية إلى “أحمق كبير” والذي يفترض على قدرته ببيع السهم إلى “أحمق أكبر” حتى لا يتبقى مزيد من الحمقى.
هل هذه النظرية سيئة ؟ وتسبب الخسارة وخراب بيوت؟
نتفق جميعا أنها سيئة، لكن من الغرابة أن لها ميزة تجلب الأرباح وتعتمد على توقيت التداول وزخم الشراء.
أذكركم بالمثل العامّي (الأوّلات الروابح) وذلك لأن أول المتداولين يمكنهم من الاستفادة من هذه الممارسة، طالما يوجد أحمق كبير يرغب في الشراء بأسعار عالية.
وتتعاظم الأرباح لدرجة الوصول إلى مستويات الفقاعة، حينما تكون مدفوعة بسلوكيات الحشود وعنصر التحيز في السلوك البشري ، حيث ينجذب بعض الناس إلى الأصول التي يرون أن سعرها يرتفع مهما كان غير عقلاني. هذا البريق يتفاقم بسبب تفاقم سيكولوجية الحشود وخصوصا حين سماعهم قصص ومواقف عن الآخرين الذين اشتروا في وقت مبكر وحققوا أرباحًا كبيرة.
كتب المستثمر الشهير بنجامين جراهام ذات مرة أن “السوق على المدى القصير هي آلة تصويت ، لكنها على المدى الطويل آلة وزن”.
أي أن عاطفة ونفسيات المتداولين (شخصيا، لا أحبذ تسمية القطيع) تكون غالبا الدور الرئيسي على المدى القصير في تسعير الأسهم لكن الكلمة الفصل تكون لأساسيات التقييم المالي مثل القوائم المالية والإيرادات والأرباح والديون وهي من تحدد كيفية أداء أسهم الشركة على مدى فترات أطول.
لنأخذ البتكوين واخواتها من العملات الرقمية وفق منظور هذه النظرية، ولنتجنب الجدل القائم حول هل لها قيمة جوهرية أو نظام بنك مركزي أم لا، أو حكمها عند العلماء الشرعيين ما بين تعريفها على أنها سلعة أم عملة للتعريف الشرعي بها بين الحلال والحرام أم تبقى مجرد سطور من البرمجيات المخزنة في شبكة الحاسب الآلي.على الرغم من كل هذا، سعر البتكوين حقق مستويات 20 ألف دولار في نهاية 2017م . وبالتالي، جذبت شهية المتداولين والمراقبين والأدوات الإعلامية، وبالتالي بيئة جاذبة لحضور “نظرية الأحمق الأكبر” .وذلك عبر شراءها من أوائل المتداولين لافتراضهم ببيعها بسعر أعلى إلى أحمق كبير بينما الأحمق الكبير يشتريها لافتراض بيعها إلى أحمق أكبر وهكذا ، حتى حققت البتكوين مستويات 68000 ألف دولار في عام 2021م.كما هو بالشارت أدناه.
وسط ذهول العالم من هذه العملة، حتى هناك دول وكبرى الشركات مثل تسلا، لمبورجيني وباي بال، تم جذبهم إلى عالم العملات الرقمية.
من المثير للجدل ما إذا كان يمكن اعتبارهم حمقى أم لا. ففي حال لو بلغت البتكوين وأخواتها قيمة غير مأمولة من ملّاكها فهذا يعني الوقوع في فخ نظرية الأحمق الأكبر.
وربما لا تكون البتكوين مثالاً لهذه النظرية، شرط أن تصنع واقعا جديدا في عالم السوق وأصبحت عملة رسمية وذات قيمة ثمينة.
العقار على سبيل المثال، نتطرق إلى قضية الرهن العقاري في أمريكا، حيث في عام 2004م بلغت ملكية المساكن ذروتها قريبا من مستويات 70%ثم في عام 2005 م بدأت أسعار المساكن في الانخفاض مما أدى إلى انخفاض بنسبة 40% في مؤشر بناء المنازل حتى وصل الحال بالعديد من المقترضين إلى عدم قدرتهم على تحمل أسعار الفائدة المرتفعة وبدأوا في التخلف عن سداد قروضهم. كما بدأت الشركات المالية وصناديق التحوط التي تمتلك ما يزيد عن تريليون دولار من الأوراق المالية المدعومة برهون عقارية فاشلة في الدخول في أزمة.هذه النظرية ليست قانونا، لكن يحق لها أن تحضر في جزء أو كل الممارسات التجارية طالما توافرت عناصرها وهي سعر الأصل غير العادل مدفوعة باندفاع الحشود وغياب أدوات القياس الواقعية يقودها أحمق كبير.
رابط المقال:
نظرية "الأحمق الأكبر" في الأسواق - صحيفة مال (maaal.com)
مواقع النشر (المفضلة)