قام باحثون من هيئة السوق المالية بدراسة أثر التغيرات في هيكلة رؤوس أموال الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية في الأداء المالي لتلك الشركات، وذلك بهدف معرفة مسببات إعادة الهيكلة وفوائدها.


ما الذي تم التوصل إليه من خلال هذه الدراسة؟


تمت الدراسة على بيانات للشركات امتدت 15 عاما من 2005 إلى 2019 تم فيها إجراء 307 عمليات لإعادة الهيكلة المالية للشركات، شملت عمليات خفض رأس المال بواقع 39 عملية، وعمليات رفع رأس المال من خلال أسهم منحة بعدد 217 عملية، و51 عملية خاصة برفع رأس المال من خلال طرح حقوق أولوية.


أحد أهم المؤثرات في عدد هذه العمليات كانت التغيرات التي طرأت على نظام الشركات فيما يخص معالجة الشركات المتعثرة، وكذلك الترتيبات التي قامت بها هيئة السوق المالية في تصنيف الشركات المتعثرة حسب درجة التعثر: اللون الأصفر للشركات التي خسائرها من 20 إلى 35 في المائة من رأس المال، واللون البرتقالي لفئة الخسائر بين 35 و50 في المائة، واللون الأحمر لمن تتجاوز خسائرها 50 في المائة من رأس المال. لذا عندما تبين ازدياد كبير في عمليات خفض رأس المال، كان أحد أهم الأسباب التغيرات التي طرأت على الصعيد التشريعي.


زادت عمليات خفض رأس المال من نسبة 3 في المائة من إجمالي عمليات إعادة الهيكلة فيما قبل 2016، إلى أن أصبحت النسبة 35 في المائة بعد 2016 بسبب تلك التشريعات التي تجبر الشركة على اتخاذ إجراء معين لتغيير وضعها المالي. طبعا هناك دوما تساؤل عمن هي الجهة المسؤولة عن نتائج الشركة المالية: هل خسائر الشركة من مسؤولية هيئة السوق المالية؟ أم هي من مسؤولية وزارة التجارة؟ أم هي من مسؤولية مساهمي الشركة؟ الواقع اليوم هو أن جميع هذه الجهات تتشارك في المسؤولية وكل طرف لديه مسؤوليات معينة تجاه الشركة ومساهميها.


السؤال المهم، وهو من أهداف الدراسة التي قام بها الباحثون في هيئة السوق المالية: ما تأثير خفض رأس المال في أداء الشركة المالي؟


تبين أن متوسط نسبة خفض رأس المال في ا****ة المستخدمة كانت نحو 50 في المائة من رأس المال، بلغت في أقصى درجاتها إلى خفض بنسبة 92 في المائة من رأس المال، وهناك شركات تقوم بتخفيض رؤوس أموالها وهي ليست من ضمن الشركات المصنفة على أنها متعثرة، وكانت النسبة تقريبا أن ثلث الشركات التي قامت بعمليات التخفيض ليست شركات ذات خسائر متراكمة مصنفة حسب الألوان التي تطرقنا إليها. هذا يعني أن 33 في المائة من قرار خفض رأس المال غير مرتبط بالتشريعات الملزمة، أو أن 67 في المائة من عمليات التخفيض تعود أسبابها إلى ضغوط تشريعية.


هل تستفيد الشركة ماليا من عمليات خفض رأس المال؟ أي هل تتأثر ربحية الشركة من ذلك؟


يبدو أن لا علاقة هناك مباشرة بين رأسمال الشركة ونتائجها المالية التشغيلية، كون رأس المال عبارة عن بند محاسبي يمكن تغييره بعدة طرق، بينما النتائج التشغيلية مسألة تجارية تخضع لعوامل عديدة من عرض وطلب وتسويق وقبول لمنتجات الشركة وخدماتها، وهكذا. هذه الملاحظة واضحة وصحيحة إذا كان خفض رأس المال مجرد إلغاء أسهم بهدف تحقيق إطفاء شكلي للخسارة، لكن ماذا عن خفض رأس المال عن طريق قيام الشركة بشراء أسهمها من المساهمين.


هل من تأثير لذلك في نتائج الشركة التشغيلية؟


لم تتطرق الدراسة لهذه الجزئية والتفريق بين الحالتين لكنها وجدت أن هناك تحسنا كبيرا في مؤشر هامش الربحية الذي ارتفع من 10 إلى 16 في المائة قبل تخفيض رأس المال إلى 40 في المائة بعد التخفيض، وذلك مقارنة بنتائج الشركة في العامين السابقين لعملية خفض رأس المال بالعامين التاليين للعملية. وهذا التحسن في النتائج المالية يظهر بشكل أكبر لدى الشركات التي قامت بعمليات التخفيض وهي ليست شركات متعثرة، حيث كان التغير في هامش الربحية من 18 في المائة قبل التخفيض إلى 50 في المائة بعد التخفيض.


كذلك تمت دراسة تأثير خفض رأس المال في صافي الدخل، ومرة أخرى كان التساؤل عن تأثير عمليات خفض رأس المال في النتائج التشغيلية للشركة، وهذه المرة تم الأخذ بصافي الدخل كمقياس للنتائج المالية لأداء الشركة. هنا كذلك كانت نتائج البحث تشير إلى تغير إيجابي كبير في أداء الشركة بعد عملية خفض رأس المال، ومرة أخرى النتائج كانت أكثر إيجابية لدى الشركات التي قامت بعمليات الخفض وهي ليست شركات متعثرة.


تمت كذلك مشاهدة النتائج ذاتها عند النظر إلى العائد على حقوق المساهمين، لكن هنا ربما هناك تفسير منطقي وهو أن خفض رأس المال يؤدي إلى نقص قيمة حقوق المساهمين وبالتالي زيادة نسبة العائد على حقوق المساهمين. لكن فيما يخص تفسير التغير الإيجابي لربحية الشركة عقب خفض رأس المال فهي ليست واضحة لي ولم تذكر الدراسة أي تفسيرات لذلك.


كذلك كانت هناك نتائج غير متوقعة فيما يخص تأثير رفع رأس المال في ربحية الشركة، حيث وجدت الدراسة أنه عموما تنخفض ربحية الشركات بعد عملية رفع رأس المال بطرح حقوق أولوية، أي إن أداء الشركة يضعف بعد حصولها على أموال من المساهمين، بينما في عمليات خفض رأس المال تزداد ربحية الشركة بعد التخفيض. أحد التفسيرات هو أن الشركة التي تطرح حقوق أولوية هي في الأغلب شركة لديها صعوبات مالية، وهو الأمر الذي دعاها لزيادة رأسمالها، ورغم حاجتها إلى هذا المال الجديد إلا أن نتائج هذا التمويل لا تظهر على الفور في أداء الشركة. لاحظ أن الدراسة تقوم بدراسة وضع الشركة قبل عامين من إجراء العملية ومقارنته بوضع الشركة خلال العامين التاليين فقط.


ماذا لو كانت زيادة رأس المال عن طريق منحة، وهي كما هو معروف مجرد مناقلة محاسبية من بنود معينة إلى بند رأس المال، دون دخول أي أموال جديدة إلى الشركة. هل من تأثيرات إيجابية في أداء الشركة بعد المنحة؟ النتيجة هنا، بحسب ا****ة التي قام الباحثون بدراستها، كذلك سلبية حيث انخفض هامش الربح وصافي الربح بعد العملية.


أوردت الدراسة عدة أسباب لبعض هذه النتائج وأشارت إلى أدبيات عالمية سابقة تحاول تفسير ما يحدث للشركات عقب التغيرات في هياكلها المالية، وهي أسباب تدور حول فكرة أن هناك فرصا سوقية مواتية تستفيد منها الشركات في رفع رؤوس أموالها، مثلا عندما يكون سعر السهم مرتفعا يلجأ بعض الشركات إلى رفع رأسمالها بعلاوة إصدار لتستفيد من طفرة الأسهم، وهناك أسباب أخرى تقوم فيها الشركة بتلميع نتائجها المالية، بطرق نظامية، لتتمكن من رفع رأسمالها، وبعد الحصول على المال تضطر الشركة لعكس تلك التلميعات فتظهر نتائج الشركة الحقيقية، وتنخفض الأرباح.