للرائع عيسى جرابا

يُلِحُّ عَلَيَّ الشَّوْقُ حَتَّى أَحَالَنِي
مَرَاجِلَ مِنْ رِيْحِ التَّذَكُّرِ لا تَهْدَا

أُضَمِّدُ جُرْحَ القَلْبِ مِنْ طَعْنَةِ النَّوَى
وَمِنْ يَـدِهِ جُـرِّعْـتُ مَا جَاوَزَ الـحَدَّا

أَلِفْتُ الأَسَى حَتَّى كَأَنِّي مَعَ الأَسَى
وُلِدْتُ... وَأَعَيَانِي كَأَنِّي بِهِ أُرْدَى

وَفِي مُهْجَـتِي بَحْـرٌ مِنَ الـحُزْنِ هَادِرٌ
يُلَمْلِمُنِي جَزْراً وَيَنْشُرُنِي مَدَّا

إِذَا لَفَّنِي لَيْلِي تَلَفَّتُّ... مَا هُنَا
سِوَى وَحْشَةٍ مِنْ حَيْثُمَا تَنْتَهِي تَبْدَا

وَلَوْلا طُيُوْفٌ مَاتَزَالُ تَعُوْدُنِي
لَذَابَ فُؤَادِي فِي عَبَاءَتِهِ وَجْدَا

وَلَوْلا رِضَا نَفْسِي بِمَا خَطَّهُ القَضَا
لَكُنْتَ لَهَا يَا لَيْلُ فَوْقَ الثَّرَى لَحْدَا

سَلامٌ عَلَى عَهْدٍ تَقَضَّى غَرَسْتُهُ
بِقَلْبِي وَقَدْ صَيَّرْت عَيْنِي لَهُ مَهْدَا

أَرَى فِـيْهِ رَوْضَ الـحُبِّ فَيْنَانَ تُجْتَلَى
كُرُوْمُ الـهَوَى مِنْ رَاحَتَيْهِ وَتُسْتَهْدَى

وَأَلْمَحُ هَاتِيْكَ العُرُوْشَ تَمَايَلَتْ
غُصُوْناً وَمَدَّتْ كَفَّ لَهْفَتِهَا رِفْدَا

وَأَشْتَمُّ أَنْسَامَ الـمَسَاءَاتِ كُلَّمَا
سَرَتْ تَنْسُجُ النَّجْوَى لِمُسْتَوْحِشٍ بُرْدَا

وَأَسْمَعُ أَطْيَارَ التَّصَافِي وَقَدْ شَدَتْ
تَهُزُّ قُلُوْباً لِلوَفَاءِ غَدَتْ وِرْدَا!

وَأُبْصِرُ أَحْبَابِي تَقَاسِيْمُهُمْ سَنَاً
وَأَرْوَاحُهُمْ لَمَّا تَزَلْ تَنْثُرُ الوَرْدَا

بِهِمْ طَابَتِ الدُّنْيَا فَرَفَّتْ كَجَنَّةٍ
مِنَ الوُدِّ لَمْ تُنْبِتْ مَرَاراً وَلا حِقْدَا

سَلامٌ عَلَى عَهْدٍ رَوَيْنَاهُ أُلْفَةً
فَصَارَ سَمَاءً فَاضَ صَيِّبُهَا شَهْدَا

وَكُنَّا بِهِ نَسْتَعْطِفُ القُرْبَ سَاعَةً
فَأَجْرَى عَطَاءً كَمْ أَغَاضَ بِهِ البُعْدَا!

فَمَا بَالُهُ وَلَّى وَخَلَّفَ حَسْرَةً
بِحَرْفِي وَوِجْدَانِي أَحُسُّ لَهَا وَقْدَا؟

وَأَيْنَ رِيَاضٌ وَارِفَاتٌ سَكَبْتُ فِي
مَـدَاهَا لُحُوْنِي؟ مَا لَهَا أَصْبَحَتْ جَرْدَا؟

وَأَيْنَ العَشَايَا؟ كَيْفَ تَخْضَرُّ مُهْجَتِي
وَمَا أَبْصَرَتْ بَرْقاً وَلا سَمِعَتْ رَعْدَا؟

مَرَاجِلُ شَوْقٍ أَنْضَجَتْ كُلَّ خَفْقَةٍ
فَصِحْتُ بِهَا كُوْنِي عَلَى خَافِقِي بَرْدَا

سَلامٌ عَلَى عَهْدٍ تَقَضَّى... وَإِنَّنِي
لأَذْكُرُ مَا افْتَـرَّ الـحَيَا ذَلِكَ العَهْدَا

وَمَا لِمَشُوْقٍ غَيْرُ ذِكْرَى تُرِيْقُهُ
تَرَانِيْمَ وَلْهَى لَيْسَ تُبْلِغُهُ القَصْدَا

سَلامٌ سَلامٌ... رَجْعُ نَبْضِي عَلَى فَمِي
أُغَنِّيْهِ أَسْتَحْلِيْهِ أَنْظِمُهُ عِقْدَا

وَلِلأَمْسِ وَجْهٌ كُلَّمَا لاحَ أَنْتَشِي
أُقَبِّلُهُ عَيْناً وَأَلْثِمُهُ خَدَّا