ضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا خطبة يوم الجمعة 1444/4/10هـ

https://www.elkraawy.com/voi/s/339


الحمدُ للهِ أَمَرَنا بالبرِّ والإحْسانِ والقولِ للوالدينِ قولاً كَرِيمَاً، أَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ربًّا رَؤُفًا رَحِيمًا, وأَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ نَبِيًّا وَفِيًّا بَارًّا كَرِيمًا، صلَّى اللهُ وبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، وَالتَّابعينَ لهم بِإحْسَانٍ ومن تَبِعَهم بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ وَسَلَّمَ تَسلِيمًا مَزِيدًا. أمَّا بعدُ. عبادَ اللهِ: أوصيكم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ وطَاعَتِهِ, وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.) وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
أيُّهَا الْمُسْتَمِعُ الْكَرِيمُ: دُونَكَ بابٌ من أبوابِ الجِنَانِ! بابٌ قَرنَهُ اللهُ بحقِّهِ وَطَاعَتـِهِ, وَجَعَلَ رِضَاهُ بِرِضَاهَا, وَالجنَّةُ مِنْ تحتِ قَدَمَيهَا! فَقَالَ عزَّ من قَائِلٍ:(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً (. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً (. وقالَ:) أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
نَعَمْ إنَّها الأُمُّ صَاحبةُ القَلْبِ الرَّحيمِ, لها نَفْسٌ كَبِيرةٌ، فهيَ لا تُجازِي بِالسَّيئَةِ، ولا تُعامِلُ بالْمِثلِ! بل يَجدُ الْمُسيءُ لَها يَجدُ مِنْهَا بِرَّاً وَرَحمَةً وَدُعَاءً، أُمُّكَ: كَم حَزِنَتْ لِتَفرَحَ أَنْتَ، وَسَهِرَتْ لِتَنَامَ أَنْتَ، أَمَلُها الكَبِيرُ ودُعَاؤُها الْمُستَمِرُّ أَنْ تَحيَا سَعِيدَاً! وَأَنْ تَكُونَ مُرْتَاحًا هَانِئًا! أُمُّكَ: هيَ مَنْ تُعطِيكَ ولا تَطلُب مِنْكَ أَجْرًا، وتَبْذُلُ ولا تُأمِّلُ مِنْكَ شُكْرًا!
إنِّها الأُمُ يَا مُؤمِنُونَ وَكَفَى، بَابُ الجِنَانِ, وطريقٌ إلى الْمَلِكِ الدَّيَّانِ! تَأمَّل يا رَعَاكَ اللهُ كَيفَ عَظَّمَ اللهُ شَأنَهَا؟ وَأَعْلَى الرَّسولُ الكريمُ مَكَانَتَها؟ حَتى قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :(رِضا الرَّبِّ فِي رِضا الوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُهُ فِي سَخَطِهِمَا). صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ. قَالَ: ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. رَواهُ الْبُخَاريُّ. وعَنْ مُعَاوِيَةَ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَ: «وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ارْجِعْ فَبَرَّهَا, والْزَمْ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الْجَنَّةُ».
وَلَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ: " أُمُّكَ, ثُمَّ أُمُّكَ, ثُمَّ أُمُّكَ». (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
أيُّها الأَوفياءُ: هل سَمعتم خَبَرَ رَجلٍ عَاشَ في عَهدِ رَسُولِ اللهِ ولم يَنَلْ شَرَفَ الصُّحبَةِ, وقد كانَ مُستَجَابَ الدَّعوةِ؟ وَقَد وصَفَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِأَدَقِّ الأَوصَافِ؛ ذَكَرَ اسمَهُ وقبيلَتَهُ وعلامةً في كَتِفِهِ وَبَرَصَاً أَصَابَهُ وبَرِئ منهُ! وَأَرْشَدَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطلُبُوا منه الدَّعاءَ. أَتَدرُونَ يا رَعَاكُم اللهُ بِمَ حَصَلَ على كُلِّ تِلكَ الْمَزَايا؟ إنَّهُ بِبِرِّه وخِدمَتِهِ لأُمِّهِ! كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا أَتَى أَهْلُ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ القرنيُّ؟ اسْتَمَرَّ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَمَلْ. وَفِي سَنَةِ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ فِي الحَجِّ صَعَدَ عُمَرُ الجَبَلَ وَنَادَى بِأَعْلَى صَوتِهِ: يَا أَهْلَ اليَمَنِ، أَفِيكُمْ أُوَيسٌ مِن مُرَادٍ؟ فَقَامَ شَيْخٌ مِنْهُمِ فَقَالَ: يا أميرَ الْمؤمنين، قد أكثرتَ السُّؤَالَ عَن أُوَيْسٍ هَذا، وَما أَعْرِفُ أَحَداً إلَّا ابْنَ أَخٍ لِي، وَضِيعُ الشَّأنِ، تَركتُهُ في عَرَفَةَ يَرعى إِبِلاً لَنا. ليسَ مِثُلكَ يَسأَلُ عنهُ, فَرَكِبَ عُمَرُ إليهِ! فَإذَا هُو بِرَجُلٍ يُصَلِّي والإِبِلُ حَولَهُ تَرعَى، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ. قَالَ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ قَالَ نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ: اللهُ أَكْبَرُ، أَوْضِحْ عَن شِقِّكَ الأَيسَرِ؟ قَالَ: وَمَا حَاجَتُكَ إلى ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللهِ وَصَفَكَ وَقَدْ وَجَدْتُّ الصِّفَةَ، وأَعلَمَنا أنَّ بِشِقِّكَ الأَيسرِ لَمْعَةً بَيضَاءَ. قَالَ عُمَرُ ألَكَ وَالِدَةٌ قَالَ نَعَمْ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ». وَأَمَرَنَا أنْ نُقرِئَكَ منهُ السَّلامَ، وَأَنْ تَسْتَغفِرَ لَنَا، فَقَدْ خَبَّرَنَا بِأَنَّكَ سَيِّدُ التَّابِعِينَ، وَأَنَّكَ تَشفَعُ يَومَ القِيامَةِ في عَدَدِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ. فَبَكَى أُوَيْسٌ، وَقَالَ: عَسَى أنْ يكونَ ذَلِكَ غَيرِي، وَلَكِنْ مَن أَنتَ يَرحَمُكَ اللهُ؟ فقالَ: عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَوَثَبَ أُويسٌ فَعَانَقَهُ وَرحَّبَ به، وقالَ: وَمِثلِي يَستَغفِرُ لِمِثلِكَ؟ قالَ عُمَرُ: نَعم، فاستَغفَرَ لَهُ. أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم مِن كُلِّ ذَنبٍّ وَخَطِيئَةٍ, فَاسْتَغْفِرُوهُ، إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.