بيتر لينش، عملاق آخر من عمالقة الاستثمار في الأسهم. والذي حقق خلال مشواره الاستثماري عوائدا غير طبيعية بلغت 29% سنويا. يُعَد أسلوب لينش الاستثماري امتدادا لتعاليم بنيامين غراهام، أبو التحليل المالي بالصورة التي نعرفها اليوم. فهو، بالإضافة إلى وارين بافيت وتشارلي منغر وفيليب فيشر وغيرهم، استفاد من طريقة غراهام في اختيار السهم المناسب للاستثمار بالاعتماد على تحاليل مالية مبسطة ومباشرة وخالية من التعقيدات التي تشوب بعض الاأساليب الاستثمارية الأخرى. فهي تعتمد أساسا على المنطق البسيط في تطبيقها، وتبتعد عن المعادلات المعقدة و والنظريات التي لا فائدة منها.
كيف يختار لينش أسهمه
عند الرغبة بشراء سهم، يقوم لينش بالبحث عن أربعة سمات فقط:
الإدارة
المنتج
الوضع المالي
سعر السهم
فهذه السمات تشكل نقطة الإنطلاق لدراسة السهم ومن ثم شراءه والاحتفاظ به لأطول فترة ممكنة. فهو، كبقية أصدقائه من تلامذة غراهام، مستثمر طويل الأجل، ولا يعترف بالمضاربة في الأسهم. وإليكم شرحا مبسطا لكل سمة من هذه السمات :-
الإدارة
يهتم لينش بالتعرف على الصورة التي تظهر بها الإدارة العليا للشركة، سواء المدير التنفيذي أو أي من مساعديه. فإن كانوا من الذين يُسرفون بالصرف على أنفسهم ومكاتبهم من أموال الشركة، فهي أول إشارة للابتعاد عن الاستثمار في الشركة. فمن الضروري أن تكون الإدارة العليا للشركة متواضعة في صرفها على هذه الأمور. فهو لا يثق بمن يستغل أموال الشركة لمصلحته الشخصية.
مهم جدا كذلك أن تكون علاقة الإدارة بالموظفين جيدة، فالعدالة في التعامل والرواتب الجيدة وإعطاء الموظفين الحق بشراء أسهم الشركة، كلها عوامل يهتم بها لينش عند تقييمه لإدارة الشركة. حرص الإدارة على مكافأة مساهميها عن طريق دفع عوائد مجزية (توزيعات نقدية) في حالة وجود فوائض مالية أمر غاية بالأهمية. فهي أحدى مقومات الاستثمار الجيد. وهي أيضا إحدى مقاييس تقييم السهم بشكل عام.
وآخر مقياس للإدارة هو قيام الإدارة العليا بشراء أسهم الشركة بصورة مستمرة، فإن لم تثق الإدارة العليا بأداء شركتها، فمن سيفعل إذا. فمن الضروري إذا أن تنظر الإدارة للشركة نظرة المالِك لها وليس الموظف فيها.
المنتج المميز
بيتر لينش له نظرة غريبة في هذا الأمر. فهو يحب الشركات التي تكون ضمن قطاع بطيء في النمو، وفي نفس الوقت يكون نمو الشركة كبيرا. وبذلك تتميز الشركة بأن تكون الرائدة في قطاعها، وفي نفس الوقت مخفية عن أنظار المستثمرين الذين يبحثون عن القطاعات المميزة وسريعة النمو.
المنافسة المحدودة عامل آخر في الشركة التي من المفضل الاستثمار فيها. فالتنافس العالي يشكل تهديدا لاستمرارية الشركة بتحقيق الأرباح، فهي تحد من سيطرتها على أسعار المنتج، وتضطرها لصرف مبالغ إضافية للدعاية وغيرها في سبيل الاحتفاظ بمكانتها في السوق وضمان تدفق الارباح. مهم أيضا أن يكون هناك حيز كبير للنمو في الشركة، سواء عن طريق الدخول في أسواق جديدة أو تقديم منتجات أو خدمات جديدة. فالاقتصار على نسبة نمو ثابتة أمر غير مُحبذ، ولا يُسهم في تحقيق عوائد كبيرة.
آخر نقطة في هذه السمة، هي بساطة العمل التجاري الذي تقوم به الشركة. والبساطة هنا ليست في القيام بأمر بإمكان الجميع القيام به، بل المقصود بها سهولة فهم الطريقة التي تمارس بها الشركة أعمالها. فعلى سبيل المثال، الشركات التي تقتصر في عملها على تصنيع منتجات أو تقديم خدمات مهمة للسوق، وتبيعها بأسعار ممتازة دون منافسة كبيرة، في كافية لجذب انتباه لينش.
الوضع المالي
“أكبر الخسائر في الاسهم تأتي من الميزانيات الضعيفة” – بيتر لينش. الميزانية القوية أساس مهم للاستثمار في الشركة، ومن دلائل قوة الميزانية، هي الملاءة المالية، وهي قدرة الشركة على سداد التزاماتها في وقت استحقاقها. ولذلك فغالبا ما يهتم لينش بالشركات التي ليس عليها ديون كبيرة، أو حتى تلك التي ليس عليها ديون، وفي نفس الوقت تمتلك الكثير من النقد في ميزانيتها. فهو يرى بأن ديون الشركة تميز الشركات القادرة على الاستمرار من تلك المُقبلة على الإفلاس.
نمو المبيعات وأرباح السهم، من العوامل التي لا يتغاضى عنها لينش. وأفضل نمو هو ذلك المستمر على مدى سنوات مالية عديدة. وكذلك الحال مع النقد الحر أو ما يسمى (Free Cash Flow) وهو مصطلح قد اخصص له تدوينه خاصة نظرا لأهميته في مجال دراسة الشركة قبل الاستثمار بها. فمن المهم أن يكون للشركة نقد حر بصورة يجعلها تمارس أعمالها دون مخافة الوقوع ضحية للاستدانة او زيادة رأس المال طلبا للنقد. المحافظة على مخزون صغير هي آخر مؤشرات الوضع المالي السليم. فالشركات التي تعاني من نمو مخزونها بصورة أكبر من نمو مبيعاتها، تشكل علامة إنذار بالنسبة للينش والأفضل تجنبها والبحث عن أخرى تدير مخزونها بصورة أفضل.
سعر السهم
يجب أن تكون نسبة السعر إلى أرباح الشركة أو (PE) منخفضة حتى يتاح للشركة أن تدخل ضمن رادار لينش الاستثماري. نسبة السعر إلى الأرباح عبارة عن سعر السهم مقسما على ربحية السهم. وعلى الرغم من وجهات النظر المختلفة بخصوص هذه النسبة، فإن لينش من المنادين بالاقتصار في الاستثمار على الشركات التي لها نسبة سعر إلى أرباح منخفضة، فهو يرى بأن الشركة التي لها نسبة عالية تكون قد أخذت حصتها من الربح في السوق، أما تلك ذات النسبة المنخفضة، فما زال أمامها الكثير لتحققه مستقبلا. هذا الأمر طبعا بافتراض تحقق بقية سمات الاستثمار كما ذكرناها سابقا.
عمل تجاري ممل. صفة غريبة أخرى يفضلها لينش في الشركات. فالشركات ذات الطبيعة المملة تنفر بقية المستثمرين منها وتجعلها ذات أسعار مغرية. فأغلب المستثمرين يرغبون بالشركات اللامعة ذات الأداء الراقي والقطاع المميز. فهم يتقاتلون على الاستثمار بها، وبالتالي غالبا ما تكون أسعارها عالية جدا على مستثمرين من طبيعة لينش.
هذا باختصار أسلوب بيتر لينش الاستثماري. أرجو أن يكون دافعا لك لتعلم المزيد عن الاستثمار ولكن بالطرق السليمة التي تعتمد على الاستثمار المدروس والمُتقن، والبعيد عن التحليلات الفنية التي أهلكت العديد من المستثمرين، والمضاربة التي استنزفت جيوب العديد من المواطنين في الخليج خلال فترات الطفرات الاقتصادية.
مواقع النشر (المفضلة)