بسم الله الرحمن الرحيم
عاشوراء: تنبيهات وأحداث
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فإن في تعدُّدِ مواسم الخيرات فرصةً للمؤمنين لا يحسُن بمسلم أن يغفل عنها، ومن هذه المواسم عاشوراء، وهذه تنبيهات تتعلق بها، ووقفات مع أحداثها، أسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه.
عاشوراء وتاسوعاء
عاشوراء: العاشر من شهر الله المحرم.
وتاسوعاء: التاسع منه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "عاشوراء العاشر من المحرم" رواه الترمذي.
مشروعية صوم عاشوراء
مرَّ فرضُ الصوم بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: صوم ثلاثة أيامٍ ويوم عاشوراء.
المرحلة الثانية: كان الصوم بالخيار، من شاء صام رمضان، ومن شاء أفطر –وإن كان صحيحاً مقيماً- وأطعم عن كل يوم مسكيناً. قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة/184].
المرحلة الثالثة: فرض صوم رمضان، وذلك بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة/183]، فانتقل الفرض من صيام عاشوراء إلى صيام رمضان.
قال ابن مسعود رضي الله عنه في صحيح مسلم: "لما فُرض رمضان تُرك عاشوراء". قال ابن حجر رحمه الله: "ما ترك استحبابه بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه"([1]).
فضل صوم عاشوراء
ثبت في الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا»؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وقد كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يُعنى بصوم عاشوراء، قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إلا هَذَا الْيَوْمَ؛ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ" -يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ- رواه البخاري.
ويتحرى: يتقصد صومه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه مسلم.
صوم تاسوعاء
من الأكمل أن يصوم الإنسان التاسع والعاشر من المحرم؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما صامه وأمر الناس بصومه، قال الصحابة: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ». فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: "ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ, وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ, كَمَا نَهَى أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ, ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ. الثَّالِثَ: الاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلَالِ وَوُقُوعِ غَلَطٍ، فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ"([2]).
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِثْلُ قَوْلِهِ فِي عَاشُورَاءَ: «لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»([3]).
لو أفرد أحدنا عاشوراء بالصوم هل يكون مكروهاً؟
الجواب: قال شيخ الإسلام : "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ"([4]).
عاشوراء في الجاهلية
صيام عاشوراء كان معروفا في الجاهلية قبل البعثة النبوية، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه". قال ابن حجر رحمه الله: "قال القرطبي: لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم، وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج، أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير، فلما هاجر ووجد اليهود يصومونه وسألهم وصامه وأمر بصيامه احتمل ذلك أن يكون ذلك استئلافا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم، ويحتمل غير ذلك"([5]).
فماذا لو وافق عاشوراء يوم السبت؟
قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني في الإرواء (960).
ومن العلماء من حكم على الحديث بالاضطراب، وعلى القول بصحته فإنَّه يجب علينا أن نوفق بين الأحاديث عند التعارض بدلاً من الترجيح الذي ينبغي ألا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، فالجمع بين النصوص وإعمالها أولى من الترجيح وتعطيل بعضها كما هو مقرر عند علمائنا.
فعلى القول بصحة حديث النهي عن صوم السبت فإنه يتوجه إلى من صام السبت لكونه سبتاً، أما من صامه لكونه عرفةً أو لكونه عاشوراء فلا حرج عليه. فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صام التسع من ذي الحجة وفيها السبت، وندب إلى صوم داود عليه السلام ولابد أن يصادف سبتاً، وندب إلى صوم الأيام البيض ولابد أن تمر على أسْبُتٍ كثيرة. ولا بأس من إفراد الجمعة بالصوم كذلك لكونه عرفة أو لكونه عاشوراء. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وليعلم أن صيام يوم السبت له أحوال:
الحال الأولى: أن يكون في فرضٍ كرمضان أداء، أو قضاءٍ، وكصيام الكفارة، وبدل هدي التمتع، ونحو ذلك، فهذا لا بأس به ما لم يخصه بذلك معتقدا أن له مزية.
الحال الثانية: أن يصوم قبله يوم الجمعة فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحدى أمهات المؤمنين وقد صامت يوم الجمعة: «أصمت أمس»؟ قالت: لا. قال: «أتصومين غدا»؟ قالت: لا. قال: «فأفطري». فقوله: «أتصومين غدا»؟ يدل على جواز صومه مع الجمعة.
الحال الثالثة: أن يصادف صيام أيام مشروعة كأيام البيض ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وستة أيام من شوال لمن صام رمضان، وتسع ذي الحجة، فلا بأس؛ لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت، بل لأنه من الأيام التي يشرع صومها.
الحال الرابعة: أن يصادف عادة كعادة من يصوم يوما ويفطر يوما فيصادف يوم صومه يوم السبت فلا بأس به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: «إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه» وهذا مثله.
الحال الخامسة: أن يخصه بصوم تطوع فيفرده بالصوم، فهذا محل النهي إن صح الحديث في النهي عنه"([6]).
من أتى عليها عاشوراء وهي حائض هل تقضي صيامه؟
لا يقضى صومه لفوات وقته. والضابط فيما يقضى وما لا يقضى أنَّ كلَّ نفلٍ قيد بسبب كالكسوف، أو قيد بوقت كالأيام البيض وعاشوراء، فإنه لا يقضى إذا فات وقته أو سببه.
صوم عاشوراء بنية القضاء
يصح أن يصوم المسلم في عاشوراء ويريد بذلك القضاء، ولكنه لن يكون عاشوراء وإنما هو القضاء. وكل عملين مقصودَين لا يمكن تشريك النية فيهما، بل لابد من الإتيان بهما. ولا بأس من أن يصوم عاشوراء ثم يصوم القضاء بعده، ولو تيسر صوم القضاء أولاً فهذا أولى.
ماذا يكفر صوم عاشوراء؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ, وَالصَّلَاةِ, وَصِيَامِ رَمَضَانَ, وَعَرَفَةَ, وَعَاشُورَاءَ، لِلصَّغَائِرِ فَقَط"([7]).
ويدل له قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» رواه مسلم. فهذا رمضان، فكيف بالنفل؟
مواقع النشر (المفضلة)