وانطفأ النور..
نستيقظ كل يوم فنستخدم غلاية الماء والغسالة والمجفف والشاحن..
نفتح صنابير الماء في البرد الشديد لنجد الماء الدافئ.. وبه نغتسل..
نتحكم في المنازل بمستوى الإضاءة..
نخرج من المنازل لنجد جميع الأسواق والمحلات والمقاهي والمطاعم مشرعة الأبواب لنا..
نتخير ما نريد..
روتين يومي.. لا يتغير علينا.. ولا نتخيل غيره..
ولا يخطر على البال زواله..
الساعة الرابعة عصرًا من يوم السبت
الموافق 25 رجب لعام 1446
ينطفئ النور.. وتتوقف الكهرباء..
لا بأس عطل يسير ويزول..
لحظات ويبدأ التواصل من الأحياء القريبة والبعيدة..
الكل يشتكي من المشكلة..
في أقل من ساعة.. الشوارع ممتلئة..
الأسواق وكثير من المحلات تغلق.. بدأ الظلام يعم..
ما أن يصل بعض الناس لقريب من المحلات
حتى يشير حارس الأمن بيده أن المحل مغلق..
الناس يدورون كالفراش المبثوث.. التوتر ظاهر ومنتشر..
والسؤال الوحيد.. هل يوجد شمعات؟
والإجابة بين انتهت.. أو زحام شديدة والطلب يزداد..
نتنقل من محل إلى آخر ولا نكاد نجد..
الأمر يزداد صعوبة.. أجهزة المحاسبة والسداد في المحلات تتعطل..
الأمر يشتد.. فمحطات الوقود تغلق..
ويصدر الإعلان.. انقطاع الكهرباء على المنطقة الجنوبية والباحة وجازان..
يدخل وقت المغرب ولا شيء سوى صمت مطبق والبحث جاري ..
الظلام يزداد..
وأمامي قول الله تعالى:
( ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور)
لا أنكر أن شعور القلق والخوف تملّك قلبي حتى وقفت لأصلي المغرب
وبصوت مسموع أقرأ (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم)
فتخرج بنفس وصوت متقطعين..
وتنزل سكينة وهدوء.. نعم ربوبية برحمة.. فالحمد الله..
يمضي الوقت.. تضعف شبكة الاتصال.. تذهب الأبراج..
الكل جالس ملتهف يترقب.. يرتدي معاطف البرد..
ومشروب دافئ يخفف من حدة البرد.. وحولهم شموع تضيء المكان..
بدأت الجهات المختصة تبحث عن حلول وتضاء الأحياء واحد تلو الآخر..
في القلب ألم… وفي الذهن تأملات..
ما أعظم دعاء الحبيب ﷺ الذي علمنا
(اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وفجأة نقمتك وتحول عافيتك وجميع سخطك)
نعم وليست نعمة واحدة.. غاب عنا استشعارها وقد يكون غاب معها الشكر..
روتين يومي لم نتخيل غيره.. نمارسه كل يوم مع تقصير من ألسنتنا وأفعالنا عن شكر الله وحمده..
وتأملات تراود النفس.. كيف الحياة بدون الإيمان والذكر والعبادة..
ظلام دامس.. وسواد قلب لُبِّد بالران.. كالكوز مجخيّا كما قال ﷺ..
وحقا (ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور)
يفكر المؤمن الصادق مع ربه في دعاء الحبيب ﷺ (اللهم اجعل في قلبي نورا…. الحديث)
ويتخيل الحياة إذا خلت من نسمة الإيمان.. حياة دون أن نعرف معروفا أو ندعوا إليه..
أو أن ننكر منكرا أو نحذر منه..
يعلمنا ﷺ كيف ننكسر ونفتقر إلى الله عز وجل فندعوه دعاء مضطر
لا يستغني عنه طرفة عين (اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا..
وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.. واجعلنا من الراشدين)
نعم نبتهل أن يحبب إلينا الإيمان لئلا ينطفئ نور القلب..
فنكون أموات في عداد الأحياء..
قلب أبيض لا تضره فتنة ما دام الليل والنهار..
ساعات مرت بي.. بين عتاب للنفس على تقصيرها في حق الله عز وجل
في شكره وحمده على نعم لم نستشعرها حتى غابت ساعات..
وبين تأمل وتخوف أن ينطفئ نور القلب..
فتصبح الحياة ظلام دامس كما كان الحال في جزء من ليلنا..
الحمد لله الذي رد لنا النور..
وأسأله لي وللقارئ نورًا في قلوبنا يعصمنا الله به من كل فتنة وشبهة وشهوة مادام الليل والنهار..
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..
(رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ وأن أعمل صالحًا ترضاه)…
منقول
مواقع النشر (المفضلة)