على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية كان تطبيق المراسلة الشهيرة "واتساب" الذي يستخدمه أكثر من ملياري إنسان حول العالم هو الشغل الشاغل لوسائل الإعلام والعامة على حد سواء، وذلك على إثر تحديثات الخصوصية التي أعلن عنها التطبيق في مطلع الشهر الجاري قبل أن يتراجع عنها في أقل من أسبوعين.
في الرابع من يناير أرسل تطبيق واتساب إشعارًا لمستخدميه يخبرهم فيه بتحديث سياسة الخصوصية لديه لتشمل السماح لشركة "فيسبوك" باعتبارها الشركة الأم للتطبيق بالوصول إلى بياناتهم، ولم يترك لهم خيارًا سوى الموافقة على الشروط الجديدة وإلا سيحذف التطبيق نفسه تلقائيًا في الثامن من فبراير 2021.نزوح جماعي إلى تطبيقات منافسةتسببت تحديثات الخصوصية في انطلاق موجة غضب عالمية ضد واتساب، وهو ما دفع الملايين من المستخدمين لحذف التطبيق المملوك لشركة فيسبوك منذ أن استحوذت عليه في عام 2014 والانتقال إلى تطبيقات مراسلة أكثر أمانًا وخصوصية مثل سيجنال وتليجرام.على مدار الأسابيع الماضية قام عشرات الملايين من الناس حول العالم بتنزيل تطبيقي "سيجنال" و"تليجرام" مما جعلهما بين ليلة وضحاها أكثر التطبيقات تحميلًا في العالم من على متجري آبل وجوجل.ويوفر كلا من سيجنال وتليجرام ميزة "التشفير الطرفي" التي يتمتع بها واتساب والتي لا تسمح سوى للراسل والمستقبل بالإطلاع على محتوى الرسائل، ولكنهما يتميزا عليه الآن بميزة مهمة وهي خلوهما من الإعلانات وعدم مشاركتهما لبيانات المستخدمين مع أطراف ثالثة.في الثاني عشر من الشهر الجاري، أعلن تطبيق تليجرام أن عدد مستخدميه زاد في الأيام الثلاثة السابقة بنحو 25 مليون مستخدم، مما وصل بإجمالي مستخدميه إلى 500 مليون شخص حول العالم. وقبل ذلك بيوم، وتحديدًا في الحادي عشر من يناير زاد عدد مستخدمي تطبيق سيجنال بواقع 1.3 مليون مستخدم في يوم واحد، وذلك مقارنة مع متوسط تنزيلات يومية بلغ 50 ألف تنزيل في عام 2020.في سياق متصل، أشارت بيانات صادرة عن شركة "سينسور تاور" في الرابع عشر من يناير إلى أن تطبيق سيجنال شهد 17.8 مليون عملية تنزيل من على متجري آبل وجوجل خلال الأسبوع الممتد من الخامس من يناير إلى الثاني عشر من الشهر ذاته، مما شكل زيادة قددرها 61 ضعفا مقارنة مع عدد تنزيلاته في الأسبوع السابق والذي لم يتجاوز 285 ألف مرة.في نفس الأسبوع، تضاعف عدد مرات تنزيل تطبيق تليجرام ليصل إلى 15.7 مليون مرة، مقارنة مع 7.6 مليون مرة في الأسبوع السابق. في غضون ذلك، شهد تطبيق واتساب تراجعًا كبيرًا في عدد مرات تنزيله، حيث تقلص إلى 10.6 مليون مرة، انخفاضًا من 12.7 مليون مرة في الأسبوع السابق.ما زاد من حماس الناس للتغيير، كانت تغريدة كتبها المليادير الأمريكي "إيلون ماسك" في السابع من يناير على حسابه على تويتر قال فيها "استخدموا سيجنال" وهو ما أعطى دفع قوية للتطبيق حول العالم. في الوقت نفسه أعلن الرئيس المكسيكي "أندريس لوبيز" عن إطلاقه مجموعة جديدة على تطبيق تليجرام، سرعان ما انضم إليها أكثر من 100 ألف عضو.تحديث ينطبق على الجميع باستثناء الأوروبيينالمدهش هو أن تلك التحديثات كانت ستطبق على كل دول العالم باستثناء دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وذلك بسبب صرامة الجهات التنظيمية في أوروبا تجاه أي انتهاك محتمل لخصوصية المستخدمين هناك، وهو ما أكد عليه قانون اللائحة العامة لحماية البيانات في أوروبا (GDPR) الذي دخل حيز التنفيذ في مايو 2018.من اللحظة الأولى كان الارتباك سيد الموقف فيما يتعلق بتحديثات الواتساب، فالشركة بدت متفاجئة من رد الفعل العنيف الذي أبداه المستخدمين مما وضعها في وضع سييء لم تجدي فيه تصريحاتها المرتبكة حول أمان المحادثات الخاصة بالمستخدمين وتطميناتها غير المنطقية بأن التحديثات الأخيرة لا تمس بأي شكل خصوصية المستخدمين.بعد أن فشلت فشلًا ذريعًا في إيقاف هذا النزيف، اضطرت إدارة واتساب في الخامس عشر من يناير إلى إعلان تراجعها عن حذف المستخدمين الرافضين لسياستها الجديدة في الثامن من فبراير، وتأجيل خططها إلى مايو القادم حتى يتسنى لها شرح سياسة الخصوصية للمستخدمين بشكل أفضل.منذ أن قام بالاستحواذ عليه في عام 2014 كان "مارك زوكربيرج" مؤسس الفيسبوك حريص على دفع "واتساب" إلى سوق الإعلانات الغني بالإيرادات والذي يشكل أكثر من 90% من إيرادات "فيسبوك". وبالفعل تمكن من دفع التطبيق من اتخاذ أول خطوة في هذا الاتجاه في تحديث أصدره التطبيق في أغسطس 2016 سمح لواتساب بمشاركة فيسبوك بعض بيانات المستخدمين.ولكن التحديث الأخير الذي لم يترك للمستخدمين أي خيار سوى القبول به كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وعلى الأغلب لن يغير تأجيل التحديث إلى مايو القادم أي شيء في أمزجة المستخدمين، بل ربما يكون رد فعلهم أقوى بعد أربع شهور.المصادر: أرقام – نيويورك تايمز – أسوشيتد برس – وول ستريت جورنال