ولدالقصيم
27-05-2021, 10:05 PM
http://2.bp.blogspot.com/-IrDANePXo2o/UZx992C9HrI/AAAAAAAADDc/FuPS7HZ4ulE/s1600/images%D8%A9%D9%88%D9%88.jpg
تأمُّلات إيمانية في رحاب خواتيم سورة القصص
في جوِّ السورة العام:
ليس في هذا الوجود شيء يَتعلم منه الإنسانُ، ويَقتبس مِن نوره إلا هذا الكتاب المنير، والسنة المطهَّرة، فمَن حاول الأخْذ مِن غيرهما عاش في شقاء، وما حياة الأمم السابقة والحاضرة واللاحقة إلا دليل قاطع على ما نقول، كيف لا، وقد أقسم اللهُ في القرآن الكريم - في سورة الفجر مثلًا - على أنَّ الطغاة والحضارات التي طغَت وعلَت ستموت وتندَثر وتُمْحى وتتلاشَى، مهما بلغَت مِن رُقِيٍّ أو تطور، ï´؟ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ï´¾ [القصص: 83]؟!
وفي هذه السورة الكريمة دروس وعِبَر إيمانية تصقل القلب وتنعشه، لتعُود له الحياةُ مِن جديد، دروس فيها مِن الحِكَم والقِيَم والمبادئ، التي لو فهمها المسلم والمسلمة لعاش في بحبوحة من العيش الرغيد، ولو وضعتها الأمَّة دستورًا لمزَّقت جميع الدساتير الأخرى، واكتفتْ بها نبراسًا ينير لها طريق السعادة المطلقة.
بين يدي السورة:
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا وَكِيع، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن معد يكرب قال: أتينا عبد الله فسألناه أن يقرأ علينا: ï´؟ طسم ï´¾ [القصص: 1] المائتين، فقال: ما هي معي، ولكن عليكم مَن أخذها مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَبَّاب بن الأرَتِّ، قال: فأتينا خَبَّابَ بن الأرتِّ، فقرأها علينا رضي الله عنه. "المسند" (1/419).
سُمِّيت سورةُ القصص بهذا الاسم لأن الله تعالى ذكر فيها قصة موسى عليه السلام مفصَّلة موضَّحة، مِن حين ولادته إلى حين رسالته، وفيها مِن غرائب الأحداث العجيبة ما يَتجلَّى فيه بوضوح عناية الله بأوليائه، وخذلانه لأعدائه، ثم ذكر لنا فيها قصة قارون عبرة للمُعتبِر، وموعظة للمتَّعظ.
وقد ذكر العلماء أنها سورة مكية، نزلت والمسلمون في مكة قلة مستضعَفة، تكاد تتخطَّفهم الأمم مِن كل حدَب وصَوْب، والمشركون هم أصحاب الحَوْل والطَّوْل، والجاه والسلطان، بل كان المسلمون في ضعف مادِّيٍّ بارز، وقلة مِن العَدد والعُدة، ما جعل الأمم الأخرى تطمع فيهم، فنزلت السورة لتضع الموازين الحقيقية للقُوَى والقِيَم، نزلت تقرِّر أن هناك قوة واحدة في هذا الوجود، هي قوة الله سبحانه وتعالى، وأن هناك قيمة واحدة في هذا الكون، هي قيمة الإيمان.
فمَن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه، ولو كان مجرَّدًا مِن كل مظاهر القوة، ومَن كانت قوة الله عليه فلا أمْن له ولا طمأنينة، ولو ساندتْه جميعُ القوى، ومَن كانت له قيمة الإيمان فله الخير كله، ومَن فقَد هذه القيمة فليس بنافعه شيء أصلاً، بل هل نستطيع العيش بدون إيمان؟ ï´؟ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ï´¾ [طه: 124].
قارون أنموذج للغطرسة والطغيان:
قال - تعالى -: ï´؟ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ï´¾ [القصص: 76- 77].
الآيات الكريمات ترسم صورة واضحة جليَّة لقارون فهو من آل موسى عليه السلام، وله المال الكثير، وقد اختارت فعلًا مناسبًا لتبيِّن لنا ضخامة الكنوز التي بحوزته، والفعل هو ناءَ يَنوءُ نَوْءًا: نَهَضَ بجَهْد ومَشَقَّة؛ لتعلم أخي القارئ أن هذه الثروة كانت عظيمة حتى تصِل في بعض الحالات إلى أن هذه المفاتيح تسقط مِن أيدي العُصبة؛ لأنه جاء في معاجم اللغة؛ أن "ناءَ" تعني: سَقَط، وهو من الأضداد، ويقال: ناءَ بالحِمْل، إذا نهض به مُثْقَلاً، وناءَ به الحِمْلُ إذا أثْقَله، والمرأةُ تَنوءُ بها عَجيزَتُها؛ أي: تُثقلها، وهي تَنوءُ بعجيزَتِها؛ أي: تنهض بها مُثْقَلَةً، وأناءَه الحِمْلُ مثل أناعَهُ؛ أي: أثْقَلَهُ وأمالَهُ، كما يقال: ذهب به وأذْهَبه بمعنًى، وقوله تعالى: ï´؟ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ï´¾ [القصص: 76]، قال الفراء: أي: لَتُنِيءُ بالعصبة: تُثقِلها.
ï´؟ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ï´¾ [القصص: 78 - 82].
صفة الكِبْر جلية نتيجة الكنوز الكثيرة الثقيلة الحمل حتى على العصبة، فوق ذلك العِلمُ الذي بُنِي على أسُس الأنانية والجبروت، والقلب فارغ من الإيمان الحق بالله تعالى؛ ومن هنا فإن القصة على ما سبق تعرض قيمة المال، ومعها قيمة العِلم، المال الذي يَستخفُّ القوم وقد خرج عليهم قارون في زينته، وهم يعلمون أنه أُوتِي مِن المال ما إن مفاتحه لتُعْيِي العُصْبَة مِن الرجال الأقوياء، والعِلم الذي يَعتزُّ به قارون، ويحسب أنه بسببه وعن طريقه أُوتِي ذلك المال، ولكن الذين أوتوا العِلم الصحيح مِن قومه لا تَسْتَخفُّهم خزائنه، ولا تستخفهم زينته، بل يتطلَّعون إلى ثواب الله، ويعلمون أنه خير وأبقى، وهو مَلاذُهم الوحيد، إليه يلجؤون في خِضَمِّ معارك الحياة، فهم قومٌ صَنَعَهم الإيمانُ، وبَنَى منظومَتَهم الفكرية العقلية، يَتكلمون بمنطق إيمانيٍّ خالص، بعيد عن الشوائب المنزلة إلى حضيض الأرض.
ثم تتدخل يدُ الله فتُخْسَف به وبداره الأرض، لا يُغني عنه ماله، ولا يُغني عنه عِلمه، وتتدخل تدخُّلاً مباشرًا سافرًا كما تدخلتْ في أمر فرعون، فألقتْه في اليم هو وجنوده فكان من المغرَقين؛ ليكون عبرة للمعتبِرين، ودرسًا في قمة الوعظ لكل مَن يطغى بماله وعلمه وجبروته وغطرسته.
ودلَّت هذه وتلك على أنه حين يتمحَّض الشرُّ، ويُسْفِر الفساد، ويقف الخير عاجزًا، والصلاحُ حسيرًا، ويخشى من الفتنة بالبأس، والفتنة بالمال، عندئذ تتدخَّل يدُ القدرة سافرة متحدِّية، بلا ستار مِن الخلْق، ولا سببٍ مِن قوى الأرض؛ لتضع حدًّا للشر والفساد[1] (https://www.alukah.net/sharia/0/8789/#_ftn1).
وقد روى الإمام أحمد قال: حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاصُّ، حدثنا الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بَيْنَا رجلٌ فيمَنْ كان قبلكم خرج في بُرْدَيْن أخضرين يَختال فيهما، أمَر الله الأرض فأخذتْه، فإنه لَيَتجلجل فيها إلى يوم القيامة))؛ تفرَّد به أحمد، وإسناده حسن "المسند" (3/40).
فالكبر طامَّة كُبرى، إذا لبسه الإنسانُ دكَّه في أسفل ال****ين، وحطَّه ذليلًا منكسرًا لا قيمة له؛ قال تعالى: ï´؟ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ï´¾ [طه: 105- 108].
تأمُّلات إيمانية في رحاب خواتيم سورة القصص
في جوِّ السورة العام:
ليس في هذا الوجود شيء يَتعلم منه الإنسانُ، ويَقتبس مِن نوره إلا هذا الكتاب المنير، والسنة المطهَّرة، فمَن حاول الأخْذ مِن غيرهما عاش في شقاء، وما حياة الأمم السابقة والحاضرة واللاحقة إلا دليل قاطع على ما نقول، كيف لا، وقد أقسم اللهُ في القرآن الكريم - في سورة الفجر مثلًا - على أنَّ الطغاة والحضارات التي طغَت وعلَت ستموت وتندَثر وتُمْحى وتتلاشَى، مهما بلغَت مِن رُقِيٍّ أو تطور، ï´؟ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ï´¾ [القصص: 83]؟!
وفي هذه السورة الكريمة دروس وعِبَر إيمانية تصقل القلب وتنعشه، لتعُود له الحياةُ مِن جديد، دروس فيها مِن الحِكَم والقِيَم والمبادئ، التي لو فهمها المسلم والمسلمة لعاش في بحبوحة من العيش الرغيد، ولو وضعتها الأمَّة دستورًا لمزَّقت جميع الدساتير الأخرى، واكتفتْ بها نبراسًا ينير لها طريق السعادة المطلقة.
بين يدي السورة:
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا وَكِيع، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن معد يكرب قال: أتينا عبد الله فسألناه أن يقرأ علينا: ï´؟ طسم ï´¾ [القصص: 1] المائتين، فقال: ما هي معي، ولكن عليكم مَن أخذها مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَبَّاب بن الأرَتِّ، قال: فأتينا خَبَّابَ بن الأرتِّ، فقرأها علينا رضي الله عنه. "المسند" (1/419).
سُمِّيت سورةُ القصص بهذا الاسم لأن الله تعالى ذكر فيها قصة موسى عليه السلام مفصَّلة موضَّحة، مِن حين ولادته إلى حين رسالته، وفيها مِن غرائب الأحداث العجيبة ما يَتجلَّى فيه بوضوح عناية الله بأوليائه، وخذلانه لأعدائه، ثم ذكر لنا فيها قصة قارون عبرة للمُعتبِر، وموعظة للمتَّعظ.
وقد ذكر العلماء أنها سورة مكية، نزلت والمسلمون في مكة قلة مستضعَفة، تكاد تتخطَّفهم الأمم مِن كل حدَب وصَوْب، والمشركون هم أصحاب الحَوْل والطَّوْل، والجاه والسلطان، بل كان المسلمون في ضعف مادِّيٍّ بارز، وقلة مِن العَدد والعُدة، ما جعل الأمم الأخرى تطمع فيهم، فنزلت السورة لتضع الموازين الحقيقية للقُوَى والقِيَم، نزلت تقرِّر أن هناك قوة واحدة في هذا الوجود، هي قوة الله سبحانه وتعالى، وأن هناك قيمة واحدة في هذا الكون، هي قيمة الإيمان.
فمَن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه، ولو كان مجرَّدًا مِن كل مظاهر القوة، ومَن كانت قوة الله عليه فلا أمْن له ولا طمأنينة، ولو ساندتْه جميعُ القوى، ومَن كانت له قيمة الإيمان فله الخير كله، ومَن فقَد هذه القيمة فليس بنافعه شيء أصلاً، بل هل نستطيع العيش بدون إيمان؟ ï´؟ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ï´¾ [طه: 124].
قارون أنموذج للغطرسة والطغيان:
قال - تعالى -: ï´؟ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ï´¾ [القصص: 76- 77].
الآيات الكريمات ترسم صورة واضحة جليَّة لقارون فهو من آل موسى عليه السلام، وله المال الكثير، وقد اختارت فعلًا مناسبًا لتبيِّن لنا ضخامة الكنوز التي بحوزته، والفعل هو ناءَ يَنوءُ نَوْءًا: نَهَضَ بجَهْد ومَشَقَّة؛ لتعلم أخي القارئ أن هذه الثروة كانت عظيمة حتى تصِل في بعض الحالات إلى أن هذه المفاتيح تسقط مِن أيدي العُصبة؛ لأنه جاء في معاجم اللغة؛ أن "ناءَ" تعني: سَقَط، وهو من الأضداد، ويقال: ناءَ بالحِمْل، إذا نهض به مُثْقَلاً، وناءَ به الحِمْلُ إذا أثْقَله، والمرأةُ تَنوءُ بها عَجيزَتُها؛ أي: تُثقلها، وهي تَنوءُ بعجيزَتِها؛ أي: تنهض بها مُثْقَلَةً، وأناءَه الحِمْلُ مثل أناعَهُ؛ أي: أثْقَلَهُ وأمالَهُ، كما يقال: ذهب به وأذْهَبه بمعنًى، وقوله تعالى: ï´؟ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ï´¾ [القصص: 76]، قال الفراء: أي: لَتُنِيءُ بالعصبة: تُثقِلها.
ï´؟ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ï´¾ [القصص: 78 - 82].
صفة الكِبْر جلية نتيجة الكنوز الكثيرة الثقيلة الحمل حتى على العصبة، فوق ذلك العِلمُ الذي بُنِي على أسُس الأنانية والجبروت، والقلب فارغ من الإيمان الحق بالله تعالى؛ ومن هنا فإن القصة على ما سبق تعرض قيمة المال، ومعها قيمة العِلم، المال الذي يَستخفُّ القوم وقد خرج عليهم قارون في زينته، وهم يعلمون أنه أُوتِي مِن المال ما إن مفاتحه لتُعْيِي العُصْبَة مِن الرجال الأقوياء، والعِلم الذي يَعتزُّ به قارون، ويحسب أنه بسببه وعن طريقه أُوتِي ذلك المال، ولكن الذين أوتوا العِلم الصحيح مِن قومه لا تَسْتَخفُّهم خزائنه، ولا تستخفهم زينته، بل يتطلَّعون إلى ثواب الله، ويعلمون أنه خير وأبقى، وهو مَلاذُهم الوحيد، إليه يلجؤون في خِضَمِّ معارك الحياة، فهم قومٌ صَنَعَهم الإيمانُ، وبَنَى منظومَتَهم الفكرية العقلية، يَتكلمون بمنطق إيمانيٍّ خالص، بعيد عن الشوائب المنزلة إلى حضيض الأرض.
ثم تتدخل يدُ الله فتُخْسَف به وبداره الأرض، لا يُغني عنه ماله، ولا يُغني عنه عِلمه، وتتدخل تدخُّلاً مباشرًا سافرًا كما تدخلتْ في أمر فرعون، فألقتْه في اليم هو وجنوده فكان من المغرَقين؛ ليكون عبرة للمعتبِرين، ودرسًا في قمة الوعظ لكل مَن يطغى بماله وعلمه وجبروته وغطرسته.
ودلَّت هذه وتلك على أنه حين يتمحَّض الشرُّ، ويُسْفِر الفساد، ويقف الخير عاجزًا، والصلاحُ حسيرًا، ويخشى من الفتنة بالبأس، والفتنة بالمال، عندئذ تتدخَّل يدُ القدرة سافرة متحدِّية، بلا ستار مِن الخلْق، ولا سببٍ مِن قوى الأرض؛ لتضع حدًّا للشر والفساد[1] (https://www.alukah.net/sharia/0/8789/#_ftn1).
وقد روى الإمام أحمد قال: حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاصُّ، حدثنا الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بَيْنَا رجلٌ فيمَنْ كان قبلكم خرج في بُرْدَيْن أخضرين يَختال فيهما، أمَر الله الأرض فأخذتْه، فإنه لَيَتجلجل فيها إلى يوم القيامة))؛ تفرَّد به أحمد، وإسناده حسن "المسند" (3/40).
فالكبر طامَّة كُبرى، إذا لبسه الإنسانُ دكَّه في أسفل ال****ين، وحطَّه ذليلًا منكسرًا لا قيمة له؛ قال تعالى: ï´؟ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ï´¾ [طه: 105- 108].