المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوصول إلى ما في جيبك .. كيف تقنع الشركات المستهلكين بشراء ما لا يرغبون في شرائه؟



ولدالقصيم
13-06-2020, 11:00 PM
http://www.sahmy.com/uploaded/10647_basmalah.gif
الوصول إلى ما في جيبك .. كيف تقنع الشركات المستهلكين بشراء ما لا يرغبون في شرائه؟


تخيل أن يطرق بابك شاب حسن الهيئة ثم تجده يطلب منك السماح له بوضع لافتة كبيرة مكتوب عليها "يرجى القيادة بحذر" أمام باب منزلك، ثم يسألك بلطف أن تترك هذه اللافتة التي ستحجب جزءًا كبيرًا من باب منزلك وواجهته لمدة أسبوع في مكانها، كيف سيكون ردك؟ أغلبنا في الحقيقة لن يوافق وسيعتذر بلطف.

ولكن المثير للدهشة هو أن 76% من المشاركين في تجربة أجريت في عام 1966 شملت عينة من سكان الطبقة المتوسطة في شمال كاليفورنيا وافقوا على هذا الطلب الغريب. والسؤال هو: كيف وافقوا؟ أو بعبارة أخرى، كيف تمكن الباحثون القائمون على التجربة من جعل أغلب المشاركين يوافقون على الطلب الذي ربما يرفضه أغلبنا؟

https://argaamplus.s3.amazonaws.com/3928d1fc-71a2-421e-97ee-4f51b129b731.jpg

هل منحوهم أي حوافز مالية؟ أم قدموا لهم حججًا عاطفية؟ ربما هددوهم!.. في الحقيقة لم يستخدم الباحثون أي مما سبق، بل إن ما فعلوه ببساطة هو تنفيذ حيلة أطلقوا عليها اسم "Foot-in-the-Door" أو "قدم تحجز الباب".

فقبل نحو أسبوع من زيارة الباحثين للمشاركين في التجربة ليطلبوا منهم هذا الطلب تواصل معهم بشكل منفصل أعضاء آخرين في نفس الفريق البحثي وسألوهم ما إذا كان لديهم مشكلة في وضع منشور أصغر من كف اليد الواحدة (10 سم x10 سم) مكتوب عليه "كن سائقًا حذرًا" على إحدى نوافذ منزلهم أو على زجاج السيارة. ووافق الجميع تقريبًا على هذا الطلب التافه، غير أنهم دون أن يدروا جعلوا أنفسهم أكثر عرضة للموافقة على طلب أكبر بعد ذلك.

الطريقة التقليدية.. اضغط عليه حتى يوافق

هناك سؤال غالبًا ما يشغل بال علماء النفس والاجتماع وهو: كيف يمكن حث الشخص على القيام بشيء لا يجد رغبة كبيرة في فعله؟ هذا السؤال يرتبط ارتباطًا وثيقًا بكل جوانب الحياة الاجتماعية بما في ذلك الالتزام بإشارت المرور والتوقف عن التدخين وشراء منتج معين وغير ذلك.

الطريقة الأكثر شيوعًا التي يلجأ إليها الناس عادة لمعالجة مشكلة معينة أو تقويم سلوك غير جيد أو تسويق منتج هي ممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط على الفرد المتردد في محاولة لإجباره على الامتثال، وتعتمد هذه الطريقة بشكل أساسي على محاولة فرض الامتثال والمطابقة والتقليد وهي كلها أشكال من الضغط الخارجي المباشر.

ويؤمن متبعو هذا النهج أنه كلما زاد الضغط زاد احتمال امتثال الفرد له؛ فتغليظ عقوبة انتهاك إشارات المرور سيدفع الناس للالتزام بها، وفرض عقوبة على التدخين في أماكن عامة سيقضي على هذه الظاهرة.

https://argaamplus.s3.amazonaws.com/335ef22d-d984-4ce6-990c-d84fcc1520ec.jpg

ولكن في أحيان كثيرة يكون من الصعب ممارسة الكثير من الضغط على الفرد؛ لأن الجهة الراغبة في دفعه إلى القيام بسلوك معين لا تمتلك النفوذ الكافي، ما الذي يحمل أي شخص على شراء السلعة "س" تحديدًا دون غيرها؟ أو ما الذي يدفعه إلى اختيار مرشح معين دون غيره في أي انتخابات؟ لا شيء حرفيًا، وليس بوسع أحد أن يجبره على غير ذلك.

ومن هنا زاد اهتمام الباحثين بمحاولة اكتشاف عوامل أخرى غير الضغط الخارجي المباشر بإمكانها زيادة درجة امتثال الشخص لسلوك معين. وما عزز من هذا الاهتمام هو حاجة العاملين مجالي التسويق والسياسة تحديدًا لأساليب قادرة على إقناع الفئات المستهدفة بالامتثال لخيارات معينة.

دون أن نشعر.. كيف تزل أقدامنا بالتدريج؟

في عام 1966 نشر كل من "جوناثان فريدمان" و"سكوت فريزر" دراسة تحت عنوان "الامتثال دون ضغط: تقنية قدم تحجز الباب" والتي أشارا خلالها إلى أنه بمجرد حث الشخص على الامتثال لطلب صغير وتافه يصبح من السهل جدًا إقناعه بالامتثال لطلب أكبر، ويعتمد أسلوب "قدم تحجز الباب" بشكل أساسي على التدريج.

ولكن ما سر هذه التسمية؟ قديمًا كان مندوبو المبيعات الذين يطرقون أبواب المنازل لبيع منتجات معينة يقومون بحيلة ما، ببساطة يقف المندوب واضعًا إحدى قدميه داخل الباب وهو ما يمنع صاحب المنزل من إغلاق الباب في وجهه. مجرد قبول العميل المحتمل بهذا الطلب الصغير المتمثل في عدم غلق الباب يجعله ذلك أكثر عرضة للقبول بالطلب الأكبر المتمثل في الشراء.

https://argaamplus.s3.amazonaws.com/65bd28e3-47b2-4b5b-8ac2-7a369beff460.jpg

هذا الأسلوب تم تطويره لاحقًا من قبل خبراء التسويق، وتستخدمه حاليًا الكثير من الشركات، على سبيل المثال، تتصل الشركة بالعميل ولا تطلب منه سوى أن يبدي رأيه في منتج معين، ولا تحاول أبدًا إقناعه بشرائه، بل إن كل ما تريده منه في هذه المرحلة هو فقط أن يقوم بتلك الخطوة البسيطة.

حتى لو قال العميل إنه يكره هذا المنتج فمجرد قيامه بشيء متعلق به يجعل احتمال قبوله لشراء هذا المنتج أكبر في المستقبل.

خطوة بخطوة

هذا التكنيك يستخدمه الكثير من الناس في علاقاتهم الاجتماعية حتى لو لم يدركوا ذلك. على سبيل المثال، يقترب منك طفلك ليسألك عما إذا كان بإمكانه زيارة صديقه، وبمجرد أن توافق تصبح أكثر عرضة للموافقة على الطلب الأكبر: "هل يمكنني قضاء الليلة لديه؟" هكذا يسألك طفلك لاحقًا.

الأمر كله يعتمد على حيلة نفسية. لو جاء إليك الولد وطلب منك مباشرة أن يقضي ليلته عند صديقه لما وافقت غالبًا، ولكنه حينما جعلك توافق على الطلب الأصغر المتمثل في مجرد زيارته أصبحت أقرب من الناحية النفسية للموافقة على الطلب الكبير الذي بات أقرب منه خطوة. "الولد بالفعل سيكون هناك، ما المشكلة لو قضى اللية مع صديقه" هكذا ستفكر.

هذا الأسلوب يحيلنا إلى حادثة طريفة مشهورة في التراث العربي، تقول: إن وجهاء إحدى القرى كانوا يجلسون في مجلسهم يتناقشون في الأمور المهمة، وكان من المتعارف عليه بين أهل القرية أنه عندما يمر أي منهم على مكان المجلس راكبًا على ظهر حماره ينزل من على الحمار احترامًا وتقديرًا للجالسين ثم يلقي عليهم السلام ويمر.

https://argaamplus.s3.amazonaws.com/1fdeeb26-892a-47fa-b016-8f677b9405cb.jpg

ولكن في إحدى المرات أصرّ وجهاء القرية على رجل فقير مر بمجلسهم ألا ينزل من على ظهر حماره رفقًا به فألقى الرجل السلام ثم مر. وتكرر الأمر عدة مرات إلى أن جاء ذات الرجل في يوم من الأيام ودخل على وجهاء القرية في مجلسهم راكبًا حماره وهو ما تعجب منه الجالسون قبل أن يخرجوه منه بينما يقول أحدهم "سكتنا له فدخل علينا بحماره".

الشاهد هو أن هذا الرجل حين كان يمر بالمجلس وينزل من على ظهر دابته كغيره من الناس لو جاء إليه أحدهم وطلب منه أن يدخل على الجالسين في المجلس بالحمار لما فعل وربما رأى ذلك خطأً كبيرًا لا يرتكبه مثله، ولكن بمجرد أن تساهل معه وجهاء القرية وسمحوا له بأن يمر من أمام مجلسهم دون أن ينزل من على حماره لم تعد فكرة الدخول عليهم داخل المجلس بالحمار شائنة كما كانت.